وقال المضاء بن علوان، كاتب مصعب بن الزبير: دعاني عبد الملك بعدما قتل مصعبا، فقال لي: علمت أنه لم يبق من أصحاب مصعب وخاصته أحد إلا كتب إلي يطلب الأمان والجوائز والصلات والاقطاعات؟ قلت: قد علمت، يا أمير المؤمنين، أنه لم يبق من أصحابك أحد إلا وقد كتب إلى مصعب بمثل ذلك، وهذه كتبهم عندي. قال: فجئني بها، فجئته بإضبارة عظيمة، فلما رآها قال: ما حاجتي أن أنظر فيها، فأفسد صنائعي، وأفسد قلوبهم علي.
يا غلام! أحرقها بالنار، فأحرقت.
ولما قتل عبد الملك بن مروان مصعب بن الزبير ندب الناس للخروج إلى عبد الله بن الزبير، فقام إليه الحجاج بن يوسف قال: ابعثني إليه، يا أمير المؤمنين، فإني رأيت في المنام كأني ذبحته، وجلست على صدره، وسلخته.
فقال: أنت له، فوجهه في عشرين ألفا من أهل الشأم وغيرهم، وقدم الحجاج بن يوسف، فقاتلهم قتالا شديدا، وتحصن بالبيت، فوضع عليه المجانيق، فجعلت الصواعق تأخذهم، ويقول: يا أهل الشأم! لا تهولنكم هذه، فإنما هي صواعق تهامة، فلم يزل يرميه بالمنجنيق، حتى هدم البيت، فكتب إليه عبد الملك بن مروان، وهو في محاربته: أوصيك يا حجاج بما أوصى به البكري زيدا، والسلام. فقام الحجاج خطيبا فقال: أيكم يدري ما أوصى به البكري زيدا، وله عشرة آلاف درهم؟ فقام رجل من القوم فقال: أنا أدري ما أوصى به البكري، فدعا ببدرة، فدفعت إليه فقال:
أقول لزيد لا تترتر فإنهم * يرون المنايا دون قتلك أو قتلي فإن وضعوا حربا فضعها وإن أبوا * فشب وقود النار بالحطب الجزل فإن عضت الحرب الضروس بنابها * فعرضة حد الحرب مثلك أو مثلي ورأى ابن الزبير من أصحابه تثاقلا عنه، وكان يجري لهم نصف صاع من تمر، فقال: أكلتم تمري، وعصيتم أمري! وكان شديد البخل.