قال عبد الله بن عباس: اردفني رسول الله، ثم قال لي: يا غلام! ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ قلت: بلى! يا رسول الله. قال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، أذكر الله في الرخاء يذكرك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، جف القلم بما هو كائن، ولو جهد الخلق على أن ينفعوك بشئ لم يكتبه الله لم يقدروا عليه، ولو جهدوا على أن يضروك بشئ لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، فعليك بالصدق في اليقين، إن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا.
وكان لعبد الله بن العباس من الولد خمسة ذكور: علي بن عبد الله، وهو أصغرهم سنا، إلا أنه تقدم لشرفه ونبله، والعباس كان أكبر ولده، وكان يلقب بالأعنق، ومحمد، والفضل، وعبد الرحمن.
وفي هذه السنة وقفت أربعة ألوية بعرفات: محمد بن الحنفية في أصحابه، وابن الزبير في أصحابه، ونجدة بن عامر الحروري، ولواء بني أمية، وقال المساور بن هند بن قيس: وتشعبوا شعبا، فكل قبيلة فيها أمير المؤمنين.
ووجه عبد الله بن الزبير أخاه مصعب بن الزبير إلى العراق، فقدمها سنة 68، فقاتله المختار، وكانت بينهم وقعات مذكورة، وكان المختار شديد العلة من بطن به، فأقام يحارب مصعبا أربعة أشهر، ثم جعل أصحابه يتسللون منه حتى بقي في نفر يسير، فصار إلى الكوفة، فنزل القصر، وكان يخرج في كل يوم، فيحاربهم في سوق الكوفة أشد محاربة، ثم يرجع إلى القصر.
وكان عبيد الله بن علي بن أبي طالب مع مصعب بن الزبير، فجعل مصعب يقول:
يا أيها الناس، المختار كذاب، وإنما يغركم بأنه يطلب بدم آل محمد، وهذا ولي الثأر، يعني عبيد الله بن علي، يزعم أنه مبطل فيما يقول.
ثم خرج المختار يوما، فلم يزل يقاتلهم أشد قتال يكون، حتى قتل، ودخل أصحابه إلى القصر فتحصنوا، وهم سبعة آلاف رجل، فأعطاهم مصعب