فلسطين شخص عن دمشق، حتى صار إلى بطنان يريد قرقيسيا لمحاربة زفر بن الحارث، وأمر ابن الزبير على حاله، فلما صار إلى بطنان من أرض قنسرين أتاه الخبر بأن عمرو بن سعيد بن العاص قد وثب بدمشق، ودعا إلى نفسه، وتسمى بالخلافة، وأخرج عبد الرحمن بن عثمان الثقفي خليفة عبد الملك بدمشق، وكانت أم عبد الرحمن أم الحكم بنت أبي سفيان بن حرب، وحوى الخزائن وبيوت الأموال، فعلم عبد الملك أنه قد أخطأ في خروجه عن دمشق، فانكفأ راجعا إلى دمشق، فتحصن عمرو بن سعيد، ونصب له الحرب، وجرت بينهم السفراء، حتى اصطلحا وتعاقدا، وكتبا بينهما كتابا بالعهود والمواثيق والايمان على أن لعمرو بن سعيد الخلافة بعد عبد الملك، ودخل عبد الملك دمشق وانحاز مع عمرو بن سعيد أصحابه، فكانوا يركبون معه إذا ركب إلى عبد الملك، ثم دبر عبد الملك على قتل عمرو، ورأى أن الملك لا يصلح له إلا بذلك، فدخل إليه عمرو عشية، وقد أعد له جماعة من أهله ومواليه ومن كان عنده ممن سواهم، فلما استوى لعمرو مجلسه قال له: يا أبا أمية! إني كنت حلفت في الوقت الذي كان فيه من أمرك ما كان، أني متى ظفرت بك وضعت في عنقك جامعة، وجمعت يديك إليها. فقال: يا أمير المؤمنين! نشدتك بالله أن تذكر شيئا قد مضى. فتكلم من بحضرته، فقالوا: وما عليك أن تبر قسم أمير المؤمنين؟ فأخرج عبد الملك جامعة من فضة، فوضعها في عنقه، وجعل يقول:
أدنيته مني ليسكن روعه * فأصول صولة حازم مستمكن وجمع يديه إلى عنقه، فلما شد المسار جذبه إليه، فسقط لوجهه، فانكسرت ثنيتاه، فقال: نشدتك الله، يا أمير المؤمنين، أن يدعوك عظم مني كسرته إلى أن تركب مني أكثر من ذلك، أو تخرجني إلى الناس فيروني على هذه الصورة! وإنما أراد أن يستفزه فيخرجه، وكان على الباب من شيعة