بلدك، والذب عن حريمك أولى لك من خراسان. فقال: نعم! أقيم على محاربة هؤلاء، على أن لي جميع ما أغلبهم عليه، وأنتزعه من أيديهم من خراج أو غيره. فأجابته العشائر إلى ذلك خلا مالك بن مسمع، فإنه امتنع عليه، وكانت في مالك أبهة شديدة وكبر معروف، فوثب الأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود على مالك بن مسمع، فقالا له: رأيت الذي تمنعه أبا سعيد، أهو شئ في يدك أو في يد عدوك؟ قال: في يد عدوي. قالا: فوالله ما أنصفته أن تسأله أن يحمي دمك وحرمتك، ثم تمنعه ما أنت مغلوب عليه، فهو يجعل لك ما سألت، وقم بمحاربة القوم! قال: لا أقوى على ذلك. فقالا: فهذا الظلم والعجز. ثم جعلوا جميعا للمهلب ما سأل، فأقام على محاربة الخوارج، ورئيسهم يومئذ نافع بن الأزرق، وبه سموا الأزارقة، حتى أجلاهم عن البصرة.
وسار عبد الملك إلى مصعب بن الزبير في سنة 71، فلقيه بموضع يقال له دير الجاثليق، على فرسخين من الأنبار، فكانت بينهم وقعات وحروب، وجاده عبد الملك القتال، وخذل مصعبا أكثر أصحابه، وكان أكثر من خذله منهم ربيعة، ثم حملوا عليه، وهو جالس على سريره، فقتلوه، وحز رأسه عبيد الله ابن زياد بن ظبيان، وأتى به عبد الملك، فلما وضعه بين يديه خر ساجدا.
قال عبيد الله: فهممت أن أضرب عنقه، فأكون قد قتلت ملكي العرب في يوم واحد.
وقال بعضهم: دخلت على عبد الملك بن مروان، وبين يديه رأس مصعب ابن الزبير، فقلت: يا أمير المؤمنين! لقد رأيت في هذا الموضع عجبا! قال:
وما رأيت؟ قلت: رأيت رأس الحسين بن علي بين يدي عبيد الله بن زياد!
ورأيت رأس عبيد الله بن زياد بين يدي المختار بن أبي عبيد، ورأيت رأس المختار بن أبي عبيد بين يدي مصعب بن الزبير، ورأيت رأس مصعب بن الزبير بين يديك. قال: فخرج من ذلك البيت، وأمر بهدمه. وكان قتل مصعب بن الزبير في ذي القعدة سنة 72.