علي بن أبي طالب، فدخل المسجد الحرام، فوضع رحلا، ثم قام عليه، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد، ثم قال: شاهت الوجوه، يا معشر قريش، أيقال هذا بين أظهركم وأنتم تسمعون، ويذكر علي فلا تغضبون؟
ألا إن عليا كان سهما صائبا من مرامي الله أعداءه، يضرب وجوههم، ويهوعهم مآكلهم، ويأخذ بحناجرهم. ألا وإنا على سنن ونهج من حاله، وليس علينا في مقادير الأمور حيلة، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
فبلغ قوله عبد الله بن الزبير، فقال: هذا عذرة بني الفواطم، فما بال ابن أمة بني حنيفة؟ وبلغ محمدا قوله، فقال: يا معاشر قريش وما ميزني من بني الفواطم؟ أليست فاطمة ابنة رسول الله حليلة أبي وأم إخوتي؟ أو ليست فاطمة بنت أسد بن هاشم جدتي وأم أبي؟ أليست فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم جدة أبي وأم جدني؟ أما والله لولا خديجة بنت خويلد لما تركت في أسد عظما إلا هشمته، فإني بتلك التي فيها المعاب صبير.
ولما لم يكن بابن الزبير قوة على بني هاشم، وعجز عما دبره فيهم، أخرجهم عن مكة، وأخرج محمد بن الحنفية إلى ناحية رضوى، وأخرج عبد الله بن عباس إلى الطائف إخراجا قبيحا، وكتب محمد بن الحنفية إلى عبد الله بن عباس:
أما بعد، فقد بلغني أن عبد الله بن الزبير سيرك إلى الطائف، فرفع الله بك أجرا، واحتط عنك وزرا، يا ابن عم، إنما يبتلى الصالحون، وتعد الكرامة للأخيار، ولو لم تؤجر إلا فيما نحب وتحب قل الاجر، فاصبر فإن الله قد وعد الصابرين خيرا، والسلام.
وروى بعضهم أن محمد بن الحنفية صار أيضا إلى الطائف، فلم يزل بها، وتوفي ابن عباس بها في سنة 68، وهو ابن إحدى وسبعين سنة، وصلى عليه محمد ابن الحنفية، ودفن عبد الله بن عباس بالطائف في مسجد جامعها، وضرب عليه فسطاط، ولما دفن أتى طائر أبيض فدخل معه قبره، فقال بعض الناس:
علمه، وقال آخرون: عمله الصالح.