ما مثل يوميه اللذين تواليا * في غزوتين تواليا يومان وكان يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن قد هرب إلى خراسان، ودخل أرض الديلم، فكتب هارون إلى صاحب الديلم يطلبه منه ويتهدده، فطلبه، فلما رأى يحيى ذلك طلب الأمان من الفضل، فآمنه وحمله إلى الرشيد، فحبسه فلم يزل محبوسا حتى مات.
وقيل إن الموكل به منعه من الطعام أياما، فمات جوعا.
وخبرني رجل من موالي بني هاشم قال: كنت محبوسا في الدار التي فيها يحيى بن عبد الله، فكنت إلى جانب البيت الذي هو فيه، فربما كلمني من خلف حائط قصير، فقال لي يوما: إني قد منعت الطعام والشراب منذ تسعة أيام، فلما كان اليوم العاشر دخل الخادم الموكل به، ففتش البيت، ثم نزع عنه ثيابه، ثم حل سراويله، فإذا بأنبوبة قصب شدها في باطن فخذه، فيها سمن بقر كان يلحس منه الشئ بعد الشئ يقيم برمقه، فلما أخذها لم يزل يفحص برجله حتى مات.
فحدثني أبو جميل قال: خرجت إلى البصرة في أيام المأمون، فركب معنا في السفينة خادم، فكان يخبرنا أنه من خدم الرشيد، ثم حدثنا بحديث يحيى بن عبد الله، وأنه الذي تولى قتله بمثل ما تقدم ذكره، فلما كان في الليل قام إليه رجل كان في السفينة، فدفعه في الماء، والسفينة تسير، فغرقه.
وبايع هارون لابنه محمد بالعهد من بعده، سنة 175، ومحمد ابن خمس سنين، وأعطى الناس على ذلك عطايا جمة، وأخرج محمدا إلى القواد، فوقف على وسادة، فحمد الله وصلى على نبيه، وقام عبد الصمد بن علي فقال:
أيها الناس لا يغرنكم صغر السن، فإنها الشجرة المباركة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، وجعل الرجل من بني هاشم يقول في ذلك حتى انقضى المجلس، ونثرت عليهم الدراهم والدنانير وفأر المسك وبيض العنبر.