بالسيرة الحسنة والسياسة الجميلة، وليكن أهم أمورك إليك تحفظ أطرافك، وسد ثغورك، واكماش بعوثك، وارغب إلى الله عز وجل في الجهاد، والمحاماة عن دينه، واهلاك عدوه بما يفتح الله على المسلمين ويمكن لهم في الدين، وابذل في ذلك مهجتك ونجدتك ومالك، وتفقد جيوشك ليلك ونهارك، واعرف مراكز خيلك ومواطن رحلك، وبالله فليكن عصمتك وحولك وقوتك، وعليه فليكن ثقتك واقتدارك وتوكلك، فإنه يكفيك ويغنيك وينصرك، وكفى به مؤيدا ونصيرا. وأمره بعد ذلك بأمور يطول الكتاب بها فاقتصرنا على صدر الوصية.
وأظهر جزعا شديدا على المنصور، ووردت الوفود عليه يعزونه، فجعل كل قوم يقولون بما أمكنهم حتى دخل شبيب بن شيبة فعزاه، ثم قال: يا أمير المؤمنين! إن الله لم يرض لك إذ قسم لك الدنيا إلا بأسناها وأرفعها، فلا ترض لنفسك من الآخرة إلا بمثل ما رضي الله لك من الدنيا، وعليك بتقوى الله، فإنها عليكم نزلت، ومنكم أخذت، وإليكم ردت.
وقدم الربيع مستهل المحرم، ومعه مفاتيح الخزائن، فجلس المهدي للناس في النصف من المحرم، وأمر الربيع، فأحضر دفتر القبوض، ووجه إلى كل من كان أبو جعفر قبض شيئا من ماله، فأحضره، وأقبل عليهم فقال: إن أمير المؤمنين المنصور كان بما حمله الله من أموركم، وقلده من رعايتكم، يدبر عليكم كما يدبر الوالد البر على ولده، وكان أنظر لكم منكم لأنفسكم، وكان يحفظ عليكم ما لا تحفظون على أنفسكم، فحرس لكم من أموالكم ما لم يأمن ذهابه، وهذه أموالكم مبارك لكم فيها، فحللوا أمير المؤمنين من إبطائها عنكم.
ثم أمر بإخراج من في المحابس من الطالبيين وغيرهم من سائر الناس، فأطلقهم، وأمر لهم بجوائز وصلات وأرزاق دارة، ثم أطلق سائر الناس، ولم يطلق أحدا إلا وكساه ووصله على قدره، حتى بلغ إلى عبد الله بن مروان، وكان في الحبس من أيام أبي العباس، فأمر بتخلية سبيله، وأعطاه عشرة آلاف