أدرى أحدا أقوى عليه مني، ولا أولى به، ولو وجدت ذلك لوليته. إن ابن الزبير لم يصلح أن يكون سائسا، وكان يعطي مال الله كأنه يعطي ميراث أبيه، وإن عمرو بن سعيد أراد الفتنة، وأن يستحل الحرمة ويذهب الدين، وما أراد صلاحا للمسلمين، فصرعه الله مصرعه، وإني محتمل لكم كل أمر إلا نصب راية، وإن الجامعة التي وضعتها في عنق عمرو عندي، وإني أقسم بالله لا أضعها في عنق أحد فأنزعها منه إلا صعدا.
وأتاه علي بن عبد الله بن عباس، فذم إليه ابن الزبير، وأعلمه ما كان أبوه وأهل بيته لقوا منه لامتناعهم من بيعته، وأن أباه أوصاه ليلحق به، فأحسن عبد الملك إجابته، وحمله وحمل عياله إلى الشأم، وأنزله دارا بدمشق، ولم يزل يجري عليه أيامه كلها.
ولما أراد عبد الملك الانصراف وقف على الكعبة فقال: والله إني وددت أني لم أكن أحدثت فيها شيئا، وتركت ابن الزبير وما تقلد.
وقدم عبد الملك راجعا إلى المدينة، فوافاها في أول سنة 76، فأغلظ لأهلها في القول، وقام خطباؤه ونالوا من أهل المدينة، وقام محمد بن عبد الله القارئ، فقال لبعض الخطباء، وهو يتكلم: كذبت لسنا كذلك! فأخذه الحرس، فجروه حتى ظن الناس أنهم قاتلوه، فأرسل إليهم: أن كفوا عنه، وخلوا سبيله، فأقام بالمدينة ثلاثا ثم انصرف إلى الشأم.
وفي هذه السنة خرج شبيب بن يزيد الشيباني الحروري بالعراق، وهي سنة 76، فوجه إليه الحجاج الجيش بعد الجيش، فهزمهم شبيب، وكان شبيب ينتقل فيما بين السواد والجبل، ثم دخل الكوفة ليلا حتى وقف على باب الحجاج في القصر، فضرب بابه بالعمود، وقال: اخرج إلينا، يا ابن أبي رغال.
وكان شبيب في نفر يسير، وكانت معه امرأته غزالة، وأمه جهيزة، ثم صار إلى المسجد الجامع، فقتل من به من الحرس، وقتل ميمونا مولى حوشب بن يزيد، صاحب شرط الحجاج، وكان ميمون هذا يسمى العذاب، وصلى بالناس