إلى مصر، فإنا إن فتحناها كانت قوة للمسلمين، وهي من أكثر الأرض أموالا، وأعجزه عن القتال، ولم يزل يعظم أمرها في نفسه، ويهون عليه فتحها، حتى عقد له على أربعة آلاف كلهم من عك، وقال له: سيأتيك كتابي سريعا، فإن لحقك كتابي آمرك فيه بالانصراف عن مصر قبل أن تدخل شيئا من أرضها، فانصرف، فإن دخلتها ثم جاءك كتابي فامض، واستعن بالله.
وسار عمرو مسرعا، فلما كان برفح، وهي آخر عمل فلسطين، أتاه رسول عمر ومعه كتاب، فلم يفض الكتاب، ونفذ حتى صار إلى قرية بالقرب من العريش، وقرأ الكتاب، ثم قال: من أين هذه القرية؟ قالوا:
من مصر! قال: فإن أمير المؤمنين أمرني إن أتاني كتابه، وقد دخلت شيئا من أرض مصر، أن أمضي لوجهي وأستعين بالله، حتى أتى الفرما، فقاتلوه نحوا من ثلاثة أشهر، ثم فتح الله عليه، ومضى حتى صار إلى أدم دنين، فقاتلوه قتالا شديدا، وأبطأ عنه الفتح، وكتب إلى عمر يستمده، فوجه بأربعة آلاف، وكتب إليه: إنه قد صير على كل ألف رجل رجلا يقوم مقام ألف رجل منهم: الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، وخارجة بن حذافة، وقيل مسلمة بن مخلد، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم قال الزبير: إني أهب نفسي لله، وأرجو أن يفتح الله على المسلمين، فوضع السلم ليلا إلى جانب الحصن، ثم اقتحم معه جماعة، وكبر المسلمون، فلما استحر القتل دعوا إلى الصلح، فقال بعضهم: صالح المقوقس عمرو بن العاص على دينارين دينارين لكل رجل، وقيل لم يكن صلح، وإنما افتتح عنوة.
ثم مضى حتى صار إلى الإسكندرية وبها جموع الروم، وعليها ثلاثة حصون، فقاتلوه قتالا شديدا، فطالت المدة بينهم ثلاثة أشهر. وكان المقوقس قد سأل عمرا أن يصالحه عن الإسكندرية على أن يطلق من أراد منهم أن يمضي إلى بلاد الروم، ومن أقام فعليه ديناران خراج، فأجابه إلى ذلك، فلما بلغ هرقل ملك الروم غضب... 1