أن الرسل لا تقتل لقتلتهم. فقال عصام بن عمرو التميمي: أنا سيد القوم فحملوه التراب. فمضى مسرعا. وقال: قد ظفرنا والله بهم، ووطئنا أرضهم.
وبلغ رستم الخبر، فغلظ ذلك عليه، وقال: ما لابن الحجامة ولتدبير الملك ويقال: إن أم يزد جرد كانت حجامة، ثم وجه رسلا في آثارهم، ففاتوا الرسل. فاشتد رعب كسرى والفرس منهم، وأمر رستم أن يتوجه إليهم. فكره ذلك، فحمل عليه بالقول حتى خرج وهو مكره، فلما صار إلى النجف وجه إلى سعد أن ابعث إلي بقوم من عندكم لأناظرهم، فأرسل سعد المغيرة بن شعبة، وبشر بن أبي رهم. وعرفجة بن هرثمة، وحذيفة ابن محصن. وربعي بن عامر، وقرفة بن زاهر، ومذعور بن عدي، ومضارب بن يزيد، وشعبة بن مرة، وكانوا من دهاة العرب، فدخلوا عليه رجلا رجلا. يقول كل واحد منهم مثل مقالة صاحبه، ويدعونه إلى الاسلام، أو أداء الجزية، فتبينوا فيه أنه يهوى الدخول في الاسلام، ويخاف من أصحابه، وكلما عرض على واحد منهم لم ير عنده مسارعة، ثم خرج رستم في التعبية للجيش، وجلس على سرير من ذهب، وأقام مصافه، وعدل أصحابه، وأيقن بالهلكة. وكان منجما، وكتب إلى أخيه: بسم الله ولي الرحمة، من الاصبهبد رستم إلى أخيه. أما بعد، فإني رأيت المشتري في هبوط، والزهرة في علو، وهو آخر العهد منك. والسلام عليك الدهر الدائم.
وخطب سعد بن أبي وقاص المسلمين، فرغبهم في الجهاد، وأعلمهم ما وعد الله نبيه من النصر وإظهار الدين، ورغب كل رجل من المسلمين صاحبه، وأنشبت الحرب بينهم بعد صلاة الظهر، واقتتلوا قتالا شديدا وحسن بلاء المسلمين وغناؤهم، وكان سعد يومئذ عليلا فصار إلى قصر العذيب فنزله، وتحصن فيه، فبلغ رستم فوجه خيلا، فأحدقت بالقصر، فلما بلغ المسلمين ذلك صاروا إلى القصر، فانهزم أصحاب رستم، ثم أصبحوا من غد، فوافاهم ستة آلاف من جيش أبي عبيدة بن الجراح، وهم الذين كانوا مع خالد بن الوليد: