فقال المقوقس: إني قد نصحت لهم فاستغشوني، فلا تجبهم إلى ما أجبتني إليه.
وخرج عمر إلى مكة سنة 17، فاعتمر عمرة رجب، ووسع المقام، وباعده من البيت، ووسع الحجر، وبنى المسجد الحرام، ووسع فيه، واشترى من قوم منازلهم، وامتنع آخرون، فهدم عليهم ووضع أثمان منازلهم في بيت المال. وكان فيما هدم بيت العباس بن عبد المطلب، فقال له: تهدم داري؟
قال: لأوسع بها في المسجد الحرام! فقال العباس: سمعت رسول الله يقول:
إن الله أمر داود أن يبني له بيتا بإيلياء فبناه ببيت المقدس، وكان كلما ارتفع البناء سقط فقال داود: يا رب إنك أمرتني أن أبني لك بيتا، واني كلما بنيت سقط البناء، فأوحى الله إليه: إني لا أقبل إلا الطيب، وانك بنيت لي في غصب، فنظر داود فإذا قطعة أرض لم يكن شراها، فابتاعها من صاحبها بحكمه، ثم بنى فتم البناء. قال: ومن يشهد أنه سمع هذا من رسول الله؟ فقام قوم فشهدوا.
قال: فتحكم إلينا يا أبا الفضل، وإلا أمسكنا؟ قال: فإني قد تركتها لله.
وانصرف عمر بعد عشرين يوما، وكان العباس يسايره، وتحت العباس دابة مصعب، فتقدمه عمر ثم وقف له حتى لحقه فقال له: تقدمتك، وما لاحد أن يتقدمكم معشر بني هاشم قوم........ 1 فيكم ضعف. قال:
رآنا الله نقوى على النبوة، ونضعف على الخلافة.
ثم خرج يريد الشأم حتى بلغ إلى سرغ، فبلغه أن الطاعون قد كثر، فرجع، فلقيه أمراء الشأم، وكلمه أبو عبيدة بن الجراح أشد كلام، وقال:
أفرار من قدر الله تعالى؟ قال عمر: نعم أفر من قدر الله إلى قدر الله.
وفي هذه السنة خطب عمر إلى علي بن أبي طالب أم كلثوم بنت علي، وأمها فاطمة بنت رسول الله، فقال علي: إنها صغيرة! فقال: إني لم أرد حيث ذهبت. لكني سمعت رسول الله يقول: كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وصهري، فأردت أن يكون لي سبب وصهر برسول الله.