خرج يشيعه حتى إذا كان بأعلى البطحاء، أو حيث شاء الله من ذلك، وقف، ووقف الناس حوله يبكون، فلما رأى جزع الناس، قال: يا أيها الناس، إني والله ما خرجت رغبة بنفسي عن أنفسكم ولا اختيار بلد عن بلدكم، ولكن كان هذا الامر فخرجت فيه رجال من قريش، والله ما كانوا من ذوي أسنانها ولا في بيوتاتها، فأصبحنا والله لو أن جبال (1) مكة ذهبا فأنفقناها في سبيل الله، ما أدركنا يوما من أيامهم، وأيم الله لئن فاتونا به في الدنيا لنلتمس أن نشاركهم في الآخرة فاتقى الله امرؤ، فتوجه غازيا إلى الشام واتبعه ثقله فأصيب شهيدا.
وقال الزبير بن بكار، عن عمه مصعب بن عبد الله: وخرج يعني الحارث بن هشام في زمن عمر بن الخطاب بأهله وماله من مكة إلى الشام، فتبعه أهل مكة يبكون عليه، فرق وبكى، ثم قال: أما لو كنا نستبدل دارا بدار وجارا بجار ما أردنا بكم بدلا، ولكنها النقلة إلى الله، فلم يزل حابسا نفسه ومن معه بالشام مجاهدا ولم يبق من أهله وولده غير عبد الرحمان، وأم حكيم بنت الحارث حتى ختم الله له بخير.
وقال محمد بن سعد، عن محمد بن عمر الواقدي: حدثنا يزيد بن فراس، عن سنان بن أبي سنان الديلي، عن أبيه، قال:
رأيت عمر بن الخطاب وقدم عليه سهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، فأرسل إلى كل واحد منهم بخمسة آلاف وفرس.