هذا العبء كرواد في هذا المضمار، ولكنها فئة قليلة لا تكفي وحدها لتحمل هذه المسؤولية، بل علينا إن نكون جيلا من الشباب المثقف تناط به هذه الرسالة التي فتح طريقها هؤلاء الرواد، حتى لا تبقى هذه المؤلفات سجينة رفوف المكتبات وطعمة للأرضة والرطوبة.
والتحقيق فيه وقاية للتراث من الضياع، والانشاء في حد ذاته يحتاج إلى الرجوع إلى مبتكرات الأفكار التي سبقنا بها سلفنا الصالح.
والغاية من تحقيق التراث: هي إحياء ما كتبه أئمة العلماء الذين بذلوا جهدا مشكورا لتشييد صرح المعرفة في مختلف الميادين العلمية عبر العصور السالفة، واخراج تلك النصوص مثل ما أرادها أصحابها أو تكاد، لتصبح متداولة بين يدي الباحثين مساعدة لهم فيما ينشؤون من مؤلفات مستفيدين وناقدين، مصححين ومستدركين، ومصدرين أحكاما على تسلسل حلقات العلم فيما سبقهم من الأزمنة ومختلف الأماكن تدخورا وازدهارا، حتى لا تبقى أبحاثنا ناقصة في بعض الجوانب، مكتفين بما قدمه المستشرقون من أفكار المجتهدين من علماء الاسلام.
ومن العقوق لهؤلاء الشيوخ أن تترك مؤلفاتهم دون القيام بدورها الفعال الذي أنشئت من أجله، ولقد اختلف علماء عصرنا في المفاضلة بين التحقيق والانشاء أيما اختلف، فقالت طائفة: الانشاء حياة معاصرة وواقعية وتقدم إلى الامام، وإحياء التراث تقاعس وركود وعيشة على الماضي البعيد، وليس فيه شئ جديد. ومن جهل شيئا عاداه.
وقال أهل التحقيق: البداية بالحلقة الأولى جمع للآراء السالفة واستعداد لحلقة الانشاء.
وأرى أن أحسن هذه السبل، هو الجمع بين التحقيق والانشاء جنبا إلى جنب، لتعرف جهود السابقين وقدراتهم ومنهجهم في تفكيرهم ونصحح ما أخطأوا فيه، ونشكرهم على ما أصابوا ونضيف ما تركوا، ونبني ثقافتنا الحاضرة على أسس متينة خالية من الثغرات. ولا نبدأ من الصفر، إذ البداية منه محال.