وفي هذا التوجيه والسياق والاهتمام، يأتي كتاب: (التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح)، تأليف العالم النحرير، والمحدث الكبير، الفقيه الأصولي المالكي، الشهير بتآليفه المتنوعة الفريدة، أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي من علماء القرن الخامس الهجري، وهو كتاب جليل القدر، يعد في مقدمة الكتب التي ألفت في علم التعديل والتجريح، ومن ضمن المصنفات القيمة في هذا العلم الجليل.
وأهمية هذا الكتاب العلمية تبدو من خلال موضوعه وتناوله ومنهاجه.
فموضوعة كما هو واضح من خلال عنوانه، تراجم رواة صحيح الامام البخاري، فهو معجم لرواته من صحابة وتابعين، وتابعيهم من شيوخ البخاري الذين روى عنهم في الجامع الصحيح. وقد تناوله مؤلفه في أبواب وقسمه إلى خمسة اقسام رئيسية هي:
1) المقدمة، وتشتمل على مقدمة تأليفه للكتاب، وأسانيد مصادره في التأليف، ومدخل لعلم التعديل والتجريح.
2) أسماء الرجال المترجم لهم، مبتدئا بحرف الألف، ومتنهيا بحرف الياء على النهج المغربي الذي كان يجري به العمل في الأندلس.
3) باب الكنى المسمى بها، تتخللها الكنى المشهورة لذوي الأسماء المعينة، مرتبة على الحروف الهجائية مثلما فعل في الأسماء.
4) باب أسماء النساء على ترتيب الحروف السالفة الذكر.
5) ثم باب كنى النساء مثلما صنع في كنى الرجال، هذا عن الموضوع في اختصار وإجمال.
اما عن منهج الكتاب وطريقة تأليفه وعرضه للاعلام المترجم لهم من رواة البخاري في جامعه الصحيح، فان أبرز السمات التي توضحه تتجلى في كون المؤلف يجمع معظم ما يعرف به الراوي من صفات، ويرسم له صورة مختصرة مركزة، تتشابه مع مع غيرها في المعلومات العامة وتختلف في المعلومات المتباينة والمتفاوتة مت راو لآخر. وبيان ذلك أنه يذكر اسم الراوي وكنيته ونسبه وولاء أو قرابته، أو صفة وخصلة خلقية أو علمية أو منصبا أو حرفة، ويذكر الباب أو الأبواب التي أخرج له فيها البخاري، وقد يدرج في الترجمة حديثا من الأحاديث التي رويت عنه، ذاكرا بعض تلاميذه الذين اخذوا عنه، ثم شيوخه الذين روى عنهم معدلا أو مجرحا أو جامعا بينهما، مستطردا بعض الاخبار أحيانا، مستشهدا بأقوال العلماء في الغالب، موثقا بمصادره، وينهي الترجمة بذكر الولادة والوفاة التحديد شخصية الراوي بدقة، وإزالة اللبس عنها بعناية، وهي سمات ومعالم ستتوضح للقارئ بتوسع وتفصيل عندما يعود إلى نص الكتاب وقراءة مقدمة التحقيق.