3) موقف ثالث وسط حاسم يتسم بتبليغ الأمانة لتوقف ما نزل من القرآن على السنة تبيينا وتأييدا وتكميلا، ولهذا شمر الصحابة ومن جاء بعدهم على ساعد الجد، وتحروا الصدق، وبحثوا في أحوال الرجال جرحا وتعديلا، ودخلوا الميدان من أوسع أبوابه. وتحملوا المسؤولية وقدروها حق قدرها، وائتمنوا الأمانة وأشفقوا عليها، وأخذوا يسمعون الأحاديث النبوية ويحدثون بها، وهو موقف وسط لا صلة له بالافراط أو التفريط، كل حسب اجتهاده. وانك لترى تخرجتهم من الجرح والتعديل جليا في النص التالي: (قال أبو بكر ابن أبي الأسود: كنت اسمع الأصناف من خالي عبد الرحمن ابن مهدي وكان في أصل كتابة قوم قد ترك حديثهم مثل الحسن ابن أبي جعفر، وعباد ابن صهيب وجماعة نحو هؤلاء. ثم أتيته بعد ذلك بأشهر وأخرج إلى كتاب الديات، فحدثني عن الحسن ابن أبي جعفر، فقلت يا خالي، أليس كنت قد ضربت على حديثه وتركته، قال: بلى، تفكرت فيه إذا كان يوم القيامة قام الحسن ابن أبي جعفر فيتعلق بي فقال: يا رب سل عبد الرحمن بن مهدي فيم أسقط عدالتي؟ فرأيت أن أحدث عنه. وما كان لي حجة عند ربي فحدث عنه بأحاديث) نستشف من النص وغيره انهم لا يجرحون أحدا الا بحق مخافة الحساب في اليوم الآخر، ولا يذكرون الجرح الا مفسرا لما قد يكون جرحا عند المتشددين وليس كذلك عند غيرهم، ويقتصدون في الجرح، فإذا كفاهم واحد لا يزيدون عليه، وهي منهجية صادقة اقتفى السير عليها أغلب علماء الجرح والتعديل.
ومع ذلك فيهم المتعنتون والمعتدلون والمتساهلون.
وللجرح والتعديل قواعد وضوابط شاملة استوعبتها المصنفات المختصة لا مجال لتفصيلها في هذا العرض الوجيز. بيد أنه لا مقد من لمحة يسيرة تبرز أهميتها إذ السؤال الذي يطرح نفسه هو ما فائدة اشتغال العلماء بالجرح والتعديل؟ فالجواب على ذلك سهل وبسيط جدا: