وفي مقدمة العلوم التي ينتفع بها قراءة القرآن وتدبره وفهمه وتفسيره واستخلاص ومعطياته، وعلوم السنة النبوية سندا ومتنا من تعديل وتجريح واستنباط الأحكام الشرعية، والعمل بالكد ونشره بين الناس امتثالا لما تضمنته الآية الكريمة: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، الا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم).
فكانت هذه الآية الكريمة الزاما صريحا لنشر العلم بين طلابه، والنهى عن كتمانه عنه. ومن كتمانه: أن تعرف رجلا كذابا أو مغفلا أو مختلطا يروي حديثا ضعيفا أو موضوعا وشبهه وتسكت عنه دون إخبار من يعنيهم أمره مخافة الانزلاق في الغيبة المنهى عنها بنص القرآن: (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم).
فالتجريح ليس من الغيبة في شئ ما لم يتعد الحدود، فإذا كان عيب واحد يكفي في تجريح الرجل حتى لا يأخذ عنه العلم فلا يتعداه المجرح إلى ذكر اثنين من عيوبه لما يترتب على السكوت من تحريم الحلال وإحلال الحرام وضياع حقوق الله ورسوله والناس أجمعين.
وإذا كان هذا شأن التجريح فتعديل الراوي وتزكيته لا يقل شأنا عن تجريح المجروحين. وإذا كانت السنة مبينة للقرآن بنصه لقوله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) فقد قال صلى الله عليه وسلم: (وبلغوا عني ولو آية). وسمي صلى الله عليه وسلم رواة الحديث خلفاءه فيما روي عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم