وعلى الرغم من أن كل الظروف السياسية والفكرية كانت تعكر صفو حياة العلماء، وتشغلهم من الانكباب على ما نذروا أنفسهم من أجله، كان عصر العجلي عصرا ذهبيا من حيث العلم، ولا سيما علم الحديث وتحقيقه وتدوينه.
ففي هذا العصر دونت أهم الكتب المؤلفة في الحديث كمسند الإمام أحمد وصحيحي البخاري ومسلم وغيرها.
وفى مجال النقد والتحقيق كان الأئمة يحيى بن معين وأبو حاتم وأبو زرعة ويعقوب بن سفيان الفسوي وأمثالهم يقطعون الأرض بحثا وتحقيقا عن الرجال والرواة ثقاتهم وضعفائهم، عدولهم ومجروحيهم. ولعل نظرة واحدة على شيوخ الامام العجلي تبين ما لهذا العصر من الأهمية في مجال العلم والثقافة.
المغرب العربي ووضعه العلمي والفكري في عصر العجلي:
أجمع المترجمون للامام العجلي بأنه هاجر من بغداد وسكن طرابلس الغرب، وعاش هناك إلى أن توفاه الله تعالى.
وقالوا أيضا: بأنه غادر بغداد في ظروف المحنة وطلبا للتفرد والتفرغ للعبادة. ولا ندري متى كانت هذه الهجرة بالتحديد، إلا أن العجلي كان موجودا في الشرق بعد اعتقال الإمام أحمد، وقد زاره في صور وكان ذاك في عام 218 ه وهي آخر سنة من خلافة المأمون. فيمكن أن امام العجلي سافر في السنة نفسها أو بعدها. وكانت طرابلس آنذاك تحت إمارة الأغالبة الذين ورثوا الامارة من جدهم الأعلى إبراهيم بن الأغلب بن سالم بن عقال التميمي، حيث وافق المأمون على توليه إمارة شمال أفريقية. والغالب أن الامام العجلي عاصر منهم الامراء التاليين:
- زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب 201 - 223 ه وهو زيادة الله الأول وهو أذلين بعث القاضي أسد بن الفرات لغزو صقلية.
- الأغلب بن إبراهيم بن محمد بن الأغلب 223 - 226 ه - محمد بن إبراهيم بن محمد بن الأغلب 226 - 242 ه وهو الذي أسند قضاء أفريقية إلى الامام سحنون بن سعيد.
- أحمد بن محمد بن الأغلب 249 ه