وحتى في عصر الأمين كان الامر على ذلك فقد قال الإمام أحمد بن حنبل:
" إني لأرجو أن يرحم الله الأمين بانكاره على إسماعيل بن علية، فإنه أدخل عليه فقال له: يا ابن الفاعلة أنت الذي تقول: كلام الله مخلوق ".
إلا أن المأمون استجلب كتب الأوائل وعرب حكمة اليونان، وأثر عليه القاضي أحمد بن أبي داود - أحد كبار زعماء المعتزلة - فقبل أفكار المعتزلة وأراد إجبار الناس على هذا القول في سنة 212 ه. ولكنه خاف الفتنة فسكت مدة ثم عاد في سنة 218 ه فامتحن الناس بالقول بخلق القرآن فكتب إلى نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعي وأمره بامتحان العلماء وإجبارهم على الاقرار بهذا القول، وأحضر العلماء والمحدثون فمنهم من أقر القول به ظاهرا خوفا من الفتنة وعملا بقوله تعالى (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) ومنهم من ثبت فعذب وحبس وقتل أو مات مكبلا بالحديد في سجنه، واستمرت هذه الفتنة العمياء والداهية الدهياء، ما يقارب ستة عشر عاما، شملت خلافة المأمون والمعتصم والواثق، ولم يرفعها إلا المتوكل سنة 234 ه.
وكا الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - من أشد من أوذي في هذه الفتنة، فعاش محبوسا في السجن ما يقارب ثمانية وعشرين شهرا بدءا من آخر خلافة المأمون، ثم اشتد عليه العذاب في أوائل خلافة المعتصم ولكنه صبر وثبت على الحق حتى نصره الله وخضعت له رؤوس الجبارة فأطلق سراحه، ولكنه لم يزل يواجه أنواعا من المضايقات والدسائس بين حين وآخر، حتى في خلافة المتوكل الذي رفع هذه المحنة.
ومن الذين استشهدوا في هذه الفتنة عبد الأعلى بن مسهر الدمشقي وأحمد بن نصر الخزاعي ونعيم بن حماد الخزاعي ويوسف بن يحيى البويطي ومحمد بن نوح العجلي.