- ومعه حاجبه - وجعل يحادثه ويسأله عن حاله - وهو يشكو حاله ويستبطئ مسلما في خروجه، فقلع عمامته عن رأسه وتركها على الأرض ثم رفعها - ثلاث مرات - ثم رفع صوته بشعر أنشده. كل ذلك يريد إشعار مسلم وإعلامه. فلما كثرت الحركات والإشارات من هاني، أنكر عليه ابن زياد، فنهض هاربا وركب جواده وانصرف، فلما خرج خرج مسلم من المخدع، فقال له هاني: يا سبحان الله ما منعك من قتله؟ قال: كلام سمعته من أمير المؤمنين - عليه السلام -: أنه لا إيمان لمن قتل مسلما بغير جناية. فقال له هاني: والله لو قتلته لقتلت فاجرا كافرا.
ثم إن ابن زياد بعث في طلب مسلم وبذل على ذلك الجوائز الكثيرة والعطايا الخطيرة، وكان ممن رغب في ذلك مولى له يقال له (معقل) فخرج يدور في الكوفة ويتحيل على الاستطلاع على خبر مسلم إلى أن وقع على خبره: أنه عند هاني بن عروة، أرشده إليه رجل يقال له:
مسلم بن عوسجة، قال: إني ثقة من ثقاته وعندي كتمان أمره، وقد أحببت أن ألقاه لأبايعه، وحلف لذلك الرجل بالايمان المؤكدة، فلما أدخله على مسلم وهاني أخذ أخبارهما على الحقيقة وأوصلها إلى ابن زياد. فبعث ابن زياد في طلب هاني، فلما وصل إليه وسلم عليه أعرض عنه ولم يرد عليه جوابا، فأنكر هاني أمره، فقال: لماذا - أصلح الله الأمير -؟
فقال: يا هاني خبيت مسلم وأدخلته في دارك وجمعت له الرجال والسلاح وظننت أن ذلك يخفى علي؟ فقال هاني: معاذ الله أيها الأمير ما فعلت ذلك، قال: بلى قد فعلته، فقال هاني: الذي بلغك عني باطل، فقال ابن زياد: يا معقل، أخرج إليه وكذبه، فخرج معقل وقال يا هاني ما تعرفني؟ فقال: نعم أعرفك فاجر غادر، ثم علم أنه كان عينا لابن زياد فقال ابن زياد: يا هاني، إئتني بمسلم وإلا فرقت بين رأسك وجسدك