الفوائد الرجالية - السيد بحر العلوم - ج ٤ - الصفحة ٥
باب النون نعمان بن محمد بن منصور، قاضي مصر.
وقد كان في بدء أمره مالكيا، ثم انتقل إلى مذهب الإمامية (1)

(١) أبو حنيفة النعمان بن أبي عبد الله محمد بن منصور بن أحمد بن حيون التميمي المغربي، ويعرف لدى الإسماعيلية باسم (سيدنا القاضي النعمان) تمييزا بينه وبين أبي حنيفة النعمان - صاحب المذهب الحنفي المشهور -. وقد اختلف المؤرخون في تاريخ مولده، (فقال بعضهم): إنه ولد سنة ٢٥٩ ه‍، (وقال بعضهم):
إنه ولد في العشر الأخير من القرن الثالث.
ويطلق عليه ابن خلكان في (وفيات الأعيان) ومؤلفو الشيعة الاثني عشرية (أبا حنيفة الشيعي). كما أن ابن خلكان يرى: أنه كان مالكي المذهب، ثم اعتنق مذهب الإمامية. وكذلك مؤرخو الشيعة الاثني عشرية وأرباب التراجم منهم، ويرى البعض: إنه كان مالكي المذهب، ثم تحول إلى الشيعة الاثني عشرية، ثم انتقل إلى الإسماعيلية الفاطمية، ويرى ابن تغري بردي في (النجوم الزاهرة ج ٤ - ص ٢٢٢) انه كان حنفي المذهب قبل أن يعتنق المذهب الفاطمي.
وكيف كان، فقد نقل ابن خلكان عن المؤرخ ابن زولاق في كتابه: أخبار قضاة مصر - في ترجمة أبي الحسن علي بن النعمان المذكور - ما نصه: "... وكان أبوه النعمان بن محمد القاضي في غاية الفضل من أهل القرآن والعلم بمعانيه وعالما بوجوه الفقه وعلم اختلاف الفقهاء واللغة والشعر الفحل والمعرفة بأيام الناس مع عقل وإنصاف، وألف لأهل البيت من الكتب آلاف أوراق بأحسن تأليف، وأملح سجع، وعمل في المناقب والمثالب كتابا حسنا، وله ردود على المخالفين له:
له رد على أبي حنيفة، وعلى مالك، والشافعي، وعلى ابن سريج، وكتاب اختلاف الفقهاء، وينتصر فيه لأهل البيت - رضي الله عنهم - وله القصيدة الفقهية لقبها بالمنتخبة... ".
دخل النعمان في خدمة الامام الإسماعيلي (عبد الله المهدي) واتصل بالقائم بامر الله طوال مدة حكمه وولي قضاء مدينة طرابلس، ولما بنى المنصور بن القائم ابن المهدي مدينته (المنصورية) كان النعمان أول من ولي قضاءها، وقد ولاه المنصور القضاء على سائر مدن أفريقيا وأصبح شديد الصلة بالامام الإسماعيلي ومقربا منه، وظل قاضي قضاة هذه المدن، وتحت إمرته قضاتها إلى أن ولي (المعز) الإمامة فاشتدت صلة النعمان به، وكان يجالسه ويسايره وقل أن يفارقه، وضع النعمان كتابه (المجالس والمسايرات) جمع فيه كل ما رآه وما سمعه من إمامه المعز، وفى مؤلفات النعمان كثير من الدلائل تبين أنه كان يعرض كتبه على الامام المعز قبل إذاعتها ونشرها بين الناس.
ويعتبر القاضي النعمان المشرع الإسماعيلي، لما له من أثر كبير في الحياة العقلية للدولة الإسماعيلية في مصر، وتعتبر مؤلفاته من الدعائم القوية التي ركز عليها المذهب الإسماعيلي، ولا تزال كتبه حتى يومنا - هذا - من أقوم الكتب لدى الإسماعيلية لا سيما كتابه (مختصر الآثار فيما روي عن الأئمة الأطهار) وهو كتاب متداول - الآن - بين طائفة (البهرة).
وأصبحت الكتب التي ألفها عمدة كل باحث في المذهب الإسماعيلي والأصل الذي يستقي منه علماء المذهب، وقد أفاد الدعوة الإسماعيلية بكثرة مؤلفاته في الفقه والمناظرة، والتأويل، والعقائد، والسير، والتاريخ، والوعظ. ومن الثابت أن النعمان ألف بضعة وخمسين كتابا، بقي منها حتى اليوم نحو من عشرين كتابا، وضاع الباقي وقيل: إن الامام المعز قال عنه: " من يؤدي جزء من مائة مما أداه النعمان أضمن له الجنة بحوار ربه ".
(أنظر: كتاب عيون الاخبار للداعي إدريس عماد الدين: ج ٦ ص ٤١ طبع مصر).
وقد ذكر الأستاذ إسماعيل غالب الإسماعيلي ترجمة مفصلة للنعمان في كتابه (أعلام الإسماعيلية) ص ٥٨٩ طبع بيروت سنة ١٩٦٤ م وأورد قائمة بمؤلفاته المتنوعة نقلا عن كتاب (المرشد إلى أدب الإسماعيلية) تأليف البرفسور إيفانوف (ص ٣٧ - ص ٤٠).
وبعض هذه الكتب في خزائن أصحاب الدعوة الذين يحرصون عليها ويسترونها أشد الستر.
ويقول الدكتور محمد كامل حسين في مقدمة (كتاب الهمة في آداب أتباع الأئمة) الذي هو من مؤلفات القاضي النعمان: (ص ٩ - طبع دار الفكر العربي بمصر) ما هذا نصه:
"... وكل من تحدث عن النعمان من المؤرخين يذكرون فضله وعلمه وتدلنا مؤلفاته العديدة على ما ذكره المؤرخون عنه، فلا غرابة أن رأينا كتبه عمدة كل باحث في المذهب الفاطمي وأنها الأصل الذي استقى منه علماء المذهب بعده.
فلا أكاد أعرف عالما من علماء الدعوة اختلف مع النعمان في المسائل الفقهية. وربما كان ذلك لان النعمان قال في كتابه (المجالس والمسايرات) أكثر من مرة: إن الامام المعز لدين الله طلب إليه أن يلقي على الناس شيئا من علم أهل البيت. فألف النعمان كتبه، وكان يعرضها على المعز فصلا فصلا، وبابا بابا، حتى أتمها. فهو يقول - مثلا -: (أمدني المعز لدين الله بجمع شئ لخصه لي وجمعه، وفتح لي معانيه، وبسط لي جملته، فابتدأت منه شيئا ثم رفعته إليه، واعتذرت من الابطاء فيه لما أردته من إحكامه، ورجوته من وقوع ما جمعته منه بموافقته فطالعته بمقداره فوقع إلي: يا نعمان لا تبال كيف كان القدر مع إشباع في إيجاز، فكلما أوجزت في القول واستقصيت المعنى فهو أوفق وأحسن، والذي خشيت من أن يستبطأ في تأليفه، فوالله لولا توفيق الله - عز وجل - إياك وعونه لك لما تعتقده من النية ومحض الولاية لما كنت تستطيع أن تأتي على باب منه في أيام كثيرة، ولكن النية يصحبها التوفيق).
إلى أمثال ذلك من النصوص الكثيرة التي تدل على أن المعز لدين الله كان يدفعه إلى تأليف الكتب بعد أن يوضح له فكرتها، وأن النعمان كان يعرض كتبه على المعز قبل أن ينشرها على الناس، كما طلب إليه المعز أن يقرأ مجالس الحكمة التأويلية ولعل هذا هو السبب الذي من أجله لقبه المؤرخ ابن زولاق بالداعي - كما روى عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان - وليس لدينا من النصوص ما يثبت أن النعمان كان من الدعاة، فالداعي إدريس في كتابه (عيون الاخبار ج ٦ ص ٤١) قال:
إن النعمان كان في مكانة رفيعة جدا قريبة من الأئمة، وأنه كان دعامة من دعائم الدعوة، ولكنه لم يصرح بان النعمان كان داعيا أو حجة، مع ما نعرفه من الداعي إدريس من إغداق المدح على كل من اتصل بالدعوة، ومهما يكن من شئ فالنعمان كان داهية في سياسته التي قربته إلى الأئمة، فقد استطاع بعلمه أن يجذب إليه قلوبهم فقربوه إليهم، وعرف أسرارهم ونواياهم، فوضع هذه الكتب العديدة وادعى ان الأئمة هم الذين لقنوه إياها، بل لعلي لا أغالي إذا قلت: إن النعمان هو أول من دون فقه المذهب الفاطمي، فلا أكاد أعرف فقيها من فقهاء المذهب قبله كتب في هذا الفن ".
والخلاصة: لقد أدى القاضي النعمان للدعوة الإسماعيلية خدمات علمية جليلة كان لها الفضل الأكبر في تركيز دعائم الدعوة، ولا غرو فقد كان اللسان الناطق لأئمتهم فاستحق أن يتربع على عرش الدعوة العلمية وأن يورث أبناءه هذه الزعامة وكانت وفاته بمصر في مستهل رجب سنة ٣٦٣ ه‍، وصلى عليه المعز لدين الله.
وذكر العلامة المحدث النوري في خاتمة مستدرك الوسائل (ج ٣ ص ٣١٣) ترجمة للقاضي نعمان أسهب فيها وحقق في شرح حال (دعائم الاسلام) والتعريف به تحقيقا رشيقا، وذكر وجوها كثيرة فيما صرح به أعلام الامامية من أن النعمان أظهر الحق تحت ستار التقية، فراجعه.
وذكر الدكتور كامل حسين في مقدمته لكتاب (الهمة في آداب اتباع الأئمة) أسماء جملة من مؤلفات القاضي النعمان، كما ترجم لكثير من أولاده وأحفاده، فراجعه وقد ترجم للقاضي النعمان في كثير من المعاجم الرجالية، وذكرت أخباره في أكثر كتب التاريخ، راجع: سير النبلاء للذهبي، والوافي بالوفيات للصفدي وفوات الوفيات لابن شاكر الكتبي، ووفيات الأعيان لابن خلكان، ولسان الميزان لابن حجر العسقلاني، ومرآة الجنان لليافعي، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي وكشف الظنون لحاجي خليفة، والنجوم الزاهرة لابن تغرى بردي، وإيضاح المكنون للبغدادي، والفوائد الرضوية للشيخ عباس القمي، والذريعة لشيخنا الشيخ آغا بزرك الطهراني ج 8 - 197، وأمل الآمل للشيخ الحر العاملي، ومجالس المؤمنين للقاضي نور الله التستري، وروضات الجنات للخوانساري وغيرها من المعاجم الرجالية.
والإسماعيلية يوافقون الامامية في الإمام الصادق - عليه السلام - ومن قبله من الأئمة - عليهم السلام - ويخالفونهم في الكاظم - عليه السلام - ومن بعده من الأئمة - عليهم السلام - ويقولون بامامة إسماعيل بن جعفر الصادق - عليه السلام - وإليه ينسبون، ويرون أن في كل دور سبعة أئمة، إما ظاهر وإما مستور، لقول أمير المؤمنين - عليه السلام -: " لن تخلو الأرض عن قائم لله بحججه "، ويلقبون أيضا بالباطنية لقولهم: إن لكل ظاهر باطنا " الخ.
وكان الإمام الصادق - عليه السلام - يحب ولده إسماعيل حبا شديدا بحيث شبه على خلق كثير من (الإسماعيلية) حتى أن قالوا بإمامته وأنه حي عند الله مرزوق وكان أكبر إخوته، ومات في حياة أبيه فحزن عليه حزنا كثيرا، وكتب بخطه على كفنه (إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله) الخ.
أنظر: تفصيل أحوال الإسماعيلية وعقائدهم في كتاب (أعلام الإسماعيلية) لمصطفى غالب، طبع بيروت سنة 1364 ه‍.
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 10 14 15 16 17 18 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب النون نعمان بن محمد بن منصور (قاضي مصر) أبو حنيفة الشيعي. 5
2 باب الهاء هارون بن مسلم بن سعدان الأنباري... 15
3 هاني بن عروة المرادي المذحجي، وذكر ورود مسلم بن عقيل الكوفة إلى آخر المطاف 18
4 هاني بن هاني السبيعي - آخر رسول أرسله أهل الكوفة إلى الحسين عليه السلام يستدعونه 50
5 باب الياء يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور - أبو زكريا الفراء النحوي 53
6 يزيد الكناسي، أبو خالد يزيد القماط... 57
7 الفوائد الرجالية (فائدة - 1) في ذكر رجال (إرشاد المفيد) من أولاد الأئمة وأحفادهم 63
8 (فائدة - 2) في ذكر تلامذة الشيخ الطوسي - رحمه الله - 67
9 (فائدة - 3) بحث في العدالة، وكيفية معرفتها ومدى الحاجة إلى ذلك 68
10 (فائدة - 4) اختلاف سلوك المشايخ الثلاثة في كيفية نقل الرواية بالنسبة إلى كتبهم الأربعة. وذكر طرق الشيخ في روايته... وأسماء سلسلة الرواية 73
11 (فائدة - 5) بيان المراد من كلام الشيخ في (الفهرست): " حدثنا وأخبرنا " ونحوهما 95
12 (فائدة - 6) ذكر رجال الخاصة والعامة الموثوقين الواردة أسماؤهم في (إجازة العلامة لبني زهرة) 99
13 (فائدة - 7) بيان المراد من (العدة) أو الجماعة الواردة في كلام الشيخ في (فهرسته) بجملة " حدثنا عدة من أصحابنا " أو " جماعة من أصحابنا "... 104
14 (فائدة - 8) بيان أن كنية " أبو عبد الله " في كلام الشيخ مشتركة بين ثلاثة: المفيد، والغضائري، وابن عبدون 108
15 (فائدة - 9) تنبيه أن (أبا علي بن شاذان) الذي روى عنه الشيخ في (الفهرست) ليس من أصحابنا، والتوقف في هلال الحفار. واستعراض أسماء الموثوقين الذين روى عنهم الشيخ في الأمالي ممن ورد ذكره في كتب العامة 109
16 (فائدة - 10) استظهار أن جميع من ذكره الشيخ في (فهرسته) من الشيعة الامامية، إلا من نص عليه بأنه من الزيدية، أو الفطحية أو الواقفية. ولمحة بسيطة عن هذه الفرق الثلاثة 114
17 (فائدة - 11) ذكر طرق الشيخ وإسناده إلى أصحاب الكتب والأصول ممن أشار إليهم في (الفهرست) 118
18 (فائدة - 12) الجواب عن الطعن في الرواية بالفطحية بأن ذلك لا يقدح في اعتبارها ووثاقة راويها 124
19 (فائدة - 13) التنويه بذكر أول السفراء الأربعة للحجة القائم (ع)، وإشادة بالثلاثة الآخرين، ولمحة عن الغيبتين الصغرى والكبرى 127
20 (فائدة - 14) استنظهار أن الحسين وحماد - الوارد ذكرهما في الكافي - هو الحسين بن المختار القلانسي، وحماد بن عيسى الجهني 129
21 (فائدة - 15) توجيه رواية الحسين بن سعيد عن معاوية بن عمار، من حيث اختلاف الطبقة 130
22 (فائدة - 16) المراد من محمد بن الفضيل، هو الصيرفي الضعيف لا الضبي الثقة 131
23 (فائدة - 17) توثيق الفضيل بن يسار النهدي وأولاده 132
24 (فائدة - 18) نقل احتمال (التفريشي) أن يكون محمد بن الفضيل هو محمد بن القاسم الثقة، واثبات أنه الصيرفي الضعيف 135
25 (فائدة - 19) استبعاد أن يكون العمركي أدرك ستة من الأئمة (ع) - كما يظهر من الكافي - وترجمة للعمركى 137
26 (فائدة - 20) محمد بن قيس مشترك بين الثقة، وغيره. وترجمة لمحمد بن قيس - هذا - 138
27 (فائدة - 21) إثبات أن محمد بن خالد لم يلق أبا بصير وأن الواسطة بينهما هو القاسم بن حمزة، وهو مجهول 141
28 (فائدة - 22) ذكر الاشكال على الشيخ في أنه ربما يذكر الرجل في (باب من لم يرو عنهم ع) وفي غيره من الأبواب 141
29 (فائدة - 23) أحمد بن يحيى الأشعري مهمل في كتب الرجال 143
30 (فائدة - 24) اثبات أن الحسن بن راشد الطفاوي ضعيف 144
31 (فائدة - 25) اثبات أن الحسين بن محمد الذي يروى عنه الكليني، هو الحسين بن محمد الأشعري الثقة 145
32 (فائدة - 26) استنتاج توثيق عامة شيوخ النجاشي واثبات غاية تحرزه من الرواية عن الضعفاء. 145
33 (فائدة - 27) اثبات عدم تواتر كتب الرواة، والاستدلال على غاية تحرز مشايخنا عن الضعفاء والمتهمين 147
34 (فائدة - 28) استعراض جملة من علماء النجوم الشيعة الواردين في كتاب (النجوم) لابن طاووس 149
35 (فائدة - 29) ذكر جملة من قدماء أصحاب الجرح والتعديل 150
36 (فائدة - 30) ذكر جملة من " الفطحية " الثقاة 152
37 (فائدة - 31) بيان من هو العقيقي صاحب الرجال ولمحة عن ترجمته 153
38 (فائدة - 32) استنتاج أن المقصود بابن الغضائري عند الاطلاق، هو أحمد بن الحسين، دون أبيه، وتوثيقه 153
39 (فائدة - 33) استظهار أن البرقي - صاحب الرجال - هو محمد بن خالد، لا أحمد، وبذلك ختام الكتاب. 156
40 كلمتنا حول الكتاب ومؤلفه... 158