" إن ابن زياد - لعنه الله - لما دخل الكوفة وصعد المنبر ووعد الناس وأوعدهم، جعل الناس ينظر بعضهم إلى بعض، ويقولون: ما لنا والدخول بين السلاطين، فنقضوا بيعة الحسين - عليه السلام - وبايعوا عبيد الله بن زياد، قيل: وكان ذلك يوم الجمعة، وكان مسلم بن عقيل موعوكا لم يقدر على الحضور للاجتماع، فلما كان وقت صلاة العصر، خرج إلى الجامع، فاذن وأقام الصلاة، وصلى وحده، ولم يصل معه أحد من أهل الكوفة، فخرج فرأى رجلا، فقال: ماذا فعل أهل مصركم؟ قال:
يا سيدي نقضوا بيعة الحسين (ع) وبايعوا يزيد، فصفق مسلم بيديه وجعل يخترق السكك والمحال هاربا حتى بلغ إلى محلة بني خزيمة، فرأى بابا شاهقا في الهواء، وجعل ينظر إليها، فخرجت جارية، فقال لها: لمن هذه الدار؟
فقالت: لهاني بن عروة المذحجي، فقال لها: ادخلي فقولي له: إن رجلا من أهل البيت واقف بالباب، فدخلت الجارية ثم خرجت وقالت له: أدخل، وكان هاني - يومئذ - عليلا، فنهض ليعتنقه، فلم يطق وجعلا يتحادثان إلى أن وصلا إلى ذكر عبيد الله بن زياد - لعنه الله - فقال هاني: يا أخي إنه صديقي وسيبلغه مرضي، فإذا أقبل ليعودني، فخذ هذا السيف واقتله، واحذر أن يفوتك، والعلامة بيني وبينك ان اقلع عمامتي عن رأسي، فإذا رأيت ذلك فاخرج لقتله، قال مسلم: أفعل إن شاء الله.
ثم إن هانئا أرسل إلى ابن زياد يستجفيه (1) فبعث إليه معتذرا:
اني رائح إليك - العشية - فلما صلى ابن زياد - لعنه الله - العشاء، أقبل ليعود هانئا. فلما وصل واستأذن للدخول، قال هاني: يا جارية، ادفعي هذا السيف لمسلم بن عقيل، فدفعته إليه، فدخل عبيد الله بن زياد - لعنه الله -