الفوائد الرجالية - السيد بحر العلوم - ج ٤ - الصفحة ٥٣
باب الياء يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور:
أبو زكريا الديلمي المعروف ب‍ (الفراء) الامام المشهور (1).
أخذ عن الكسائي، وهو من جلة أصحابه، وكان أبرع الكوفيين.
له مصنفات كثيرة مشهورة في النحو واللغة ومعاني القرآن، مات بطريق

(١) يحيى بن زياد - الأقطع - بن عبد الله بن مروان الديلمي الكوفي، وكان إمامي العقيدة، وقطعت يد أبيه زياد بن عبد الله في (وقعة فخ) لأنه كان مع الحسين بن علي بن الحسن المثلث - رضي الله عنه - حين ظهر أيام موسى الهادي ابن المهدي بن المنصور العباسي، فقتل وقتل معه جماعة من أهل بيته ومن الشيعة، وقطعت يد زياد حينئذ، والتشيع قديم فيهم.
ونقل ابن خلكان في (وفيات الأعيان) عن أبي عبد الله المرزبان في كتابه:
" أن زيادا - والد الفراء - كان أقطع لأنه حضر وقعة الحسين بن علي - رضي الله عنهما - فقطعت يده في ذلك الحرب ".
فحسب ابن خلكان أن الحسين بن علي - هذا - هو الشهيد في كربلا ابن علي بن أبي طالب - عليه السلام - فاستغرب من كلام ابن المرزبان، وأردف كلامه بقوله: " وهذا عندي فيه نظر لان الفراء عاش ثلاثا وستين سنة فتكون ولادته سنة ١٤٤ ه‍، وحرب الحسين كانت سنة إحدى وستين للهجرة، فبين حرب الحسين وولادة الفراء ثلاث وثمانون سنة، فكم عاش أبوه؟ فإن كان الأقطع جده فيمكن والله أعلم ".
هذا كلام ابن خلكان وما ندري من أين علم أن الحسين بن علي في كلام ابن المرزبان هو الحسين بن علي بن أبي طالب شهيد كربلا - عليه السلام - وكم لابن خلكان من هفوات؟ (وللغفلات تعرض للأريب).
وقد نص المولى عبد الله أفندي في (رياض العلماء) على أن الفراء - هذا - من الشيعة الإمامية، قال: " وما قال السيوطي - يعني في بغية الوعاة - من ميل الفراء إلى الاعتزال لعله مبني على خلط أكثر علماء العامة بين أصول الشيعة والمعتزلة وإلا فهو شيعي إمامي ".
قال ابن خلكان: " كان الفراء أبرع الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب، (حكي) عن أبي العباس ثعلب أنه قال: لولا الفراء لما كانت عربية لأنه خلصها وضبطها، ولولا الفراء لسقطت العربية لأنها كانت تتنازع ويدعيها كل من أراد، ويتكلم الناس فيها على مقادير عقولهم وقرائحهم فتذهب وأخذ النحو عن أبي الحسن الكسائي، وهو والأحمر (أي علي بن المبارك) من أشهر أصحابه وأخصهم به، وكان قد ورد بغداد في أيام المأمون فبقي يتردد على بابه مدة لا يصل إليه، فبينما هو ذات يوم على الباب إذ جاء أبو بشر ثمامة بن الأشرس النمير المعتزلي - وكان خصيصا بالمأمون - قال ثمامة: فرأيت أبهة أديب فجلست إليه ففاتشته عن اللغة فوجدته بحرا، وفاتشته عن النحو فشاهدته نسيج وحده، وعن الفقه فوجدته رجلا فقيها عارفا باختلاف القوم، وبالنجوم ماهرا، وبالطب خبيرا، وبأيام العرب وأشعارها حاذقا، فقلت له: من تكون؟
وما أظنك إلا الفراء، فقال: أنا هو، فدخلت فأعلمت أمير المؤمنين المأمون فامر باحضاره لوقته وكان سبب اتصاله به، (وقال قطرب) دخل الفراء على الرشيد فتكلم بكلام لحن فيه مرآة، فقال جعفر بن يحيى البرمكي: إنه قد لحن يا أمير المؤمنين، فقال الرشيد للفراء: أتلحق؟ فقال الفراء: يا أمير المؤمنين إن طباع أهل البدو الاعراب وطباع أهل الحضر اللحن، فإذا تحفظت لم ألحن، وإذا رجعت إلى الطباع لحنت، فاستحسن الرشيد قوله ".
وقال الخطيب في تاريخ بغداد: " إن الفراء لما اتصل بالمأمون أمره أن يؤلف ما يجمع به أصول النحو وما سمع من العربية، وأمر أن يفرد بحجرة من حجر الدار ووكل به جواري وخدم يقمن بما يحتاج إليه حتى لا يتعلق قلبه ولا تتشوق نفسه إلى شئ، حتى أنهم كانوا يؤذنونه بأوقات الصلاة، وصير له الوراقين وألزمه الامناء والمنفقين، فكان يملي والوراقون يكتبون حتى صنف (الحدود) في سنتين. وأمر المأمون بكتبه بالخزائن، فبعد أن فرغ من ذلك خرج إلى الناس وابتدأ بكتاب (المعاني)، قال الراوي: وأردنا أن نعد الناس الذين اجتمعوا لاملاء (كتاب المعاني) فلم نضبطهم، فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيا فلم يزل يمليه حتى أتمه. ولما فرغ من (كتاب المعاني) خزنه الوراقون عن الناس ليكتسبوا به، وقالوا: لا نخرجه إلا لمن أراد أن ننسخه له على خمس أوراق بدرهم، فشكا الناس إلى الفراء، فدعا الوراقين فقال لهم في ذلك، فقالوا: إنما صحبناك لننتفع بك، وكل ما صنفته فليس بالناس إليه من الحاجة ما بهم إلى هذا الكتاب فدعنا نعيش به، فقال: فقاربوهم تنتفعوا وينتفعوا، فأبوا عليه، فقال: سأريكم، وقال للناس: إني ممل كتاب معان أتم شرحا وأبسط قولا من الذي أمليت، فجلس يملي، فأملى الحمد في مائة ورقة، فجاء الوراقون إليه وقالوا: نحن نبلغ الناس ما يحبون، فنسخوا كل عشر أوراق بدرهم، وكان سبب إملائه (كتاب المعاني) أن أحد أصحابه - وهو عمر بن بكير - كان يصحب الحسن بن سهل فكتب إلى الفراء: إن الأمير الحسن لا يزال يسألني عن أشياء من القرآن لا يحضرني عنها جواب فان رأيت أن تجمع لي أصولا وتجعل ذلك كتابا يرجع إليه فعلت؟ فلما قرأ الكتاب قال لأصحابه: اجتمعوا حتى أملي لكم كتاب في القرآن وجعل لهم يوما، فلما حضروا خرج إليهم، وكان في المسجد رجل يؤذن فيه وكان من القراء، فقال له: إقرأ فقرأ فاتحة الكتاب ففسرها حتى مر في القرآن كله على ذلك، يقرأ الرجل والفراء يفسره، وكتابه هذا نحو ألف ورقة، وهو كتاب لم يعمل مثله، ولا يمكن أحد أن يزيد عليه ".
وقد طبع بمصر حديثا جزء ان من (كتاب المعاني) إلى سورة الزمر، ويستمر في طبع بقية أجزائه. ومولد الفراء بالكوفة سنة ١٤٤ ه‍، وانتقل إلى بغداد وجعل أكثر مقامه بها، وكان شديد طلب المعاش لا يستريح في بيته، وكان يجمع طول السنة، فإذا كان في آخرها خرج إلى الكوفة فأقام بها أربعين يوما في أهله يفرق عليهم ما جمعه ويبرهم.
وله من التصانيف: الكتابان المقدم ذكرهما، وهما: الحدود، والمعاني وكتابان في المشكل، أحدهما أكبر من الاخر، وكتاب البهاء وهو صغير الحجم (قال ابن خلكان): " وقفت عليه ورأيت فيه أكثر الألفاظ التي استعملها أبو العباس ثعلب في (كتاب الفصيح) وهو في حجم الفصيح غير أنه غيره، ورتبه على صورة أخرى، وعلى الحقيقة ليس لثعلب في (الفصيح) سوى الترتيب وزيادة يسيرة وفى كتاب (البهاء) أيضا ألفاظ ليست في الفصيح قليلة، وليس في الكتابين اختلاف إلى في شئ قليل، وله كتاب اللغات، وكتاب المصادر في القرآن، وكتاب الجمع والتثنية في القرآن، وكتاب الوقف والابتداء، وكتاب المفاخر وكتاب آلة الكتاب، وكتاب النوادر، وكتاب الواو، وغير ذلك من الكتب وقال سلمة بن عاصم: أملى الفراء كتبه كلها حفظا لم يأخذه بيده نسخة إلا في كتابين كتاب ملازم، وكتاب يافع ويفعه، قال أبو بكر الأنباري: ومقدار الكتابين خمسون ورقة، مقدار كتب الفراء ثلاثة آلاف ورقة ".
والفراء - بفتح الفاء وتشديد الراء وبعدها الف ممدودة - وإنما قيل له: فراء ولم يكن يعمل الفراء ولا يبيعها - لأنها كان يفري الكلام وقد توفي سنة 207 ه‍ في طريق مكة وعمره ثلاث وستون سنة، راجع في ترجمه أكثر المعاجم الرجالية لا سيما الكتب المؤلفة في طبقات النحويين.
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 52 53 57 58 59 61 63 ... » »»
الفهرست