هاني بملأ من قومه وأهل الشام جهرا غير سر: " العجب من معاوية يريد أن يقسرنا على بيعة يزيد - وحاله حاله - وما ذاك والله بكائن ". ويقول للفتى: " إذا لقيت معاوية فقل له: يقول لك هاني: والله ما إلى ذلك من سبيل " ثم يكون هو الطالب للقيام ببيعة يزيد في الكوفة؟ ولو لم يكن له حاجز من تقوى الله لمنعه من ذلك تكذيبه لنفسه وانتقامه به عند قومه وعند معاوية واتباعه بمضي حيلته فيه وخدعته له.
ثم إن هذه مجرد قصة قد سماها حاكيها ولم يعدها رواية. وقد أوردها في غير اسناد ولا إضافة إلى كتاب، ولا موافق لها في كتب التواريخ والسير المعدة لذكر مثل ذلك. فقد ذكر أصحاب الاخبار ما جرى للناس في أخذ معاوية لهم بولاية العهد لابنه يزيد وما وقع فيه من الكلام ممن رضي بذلك وأبى، ولم ينقل أحد منهم هذه القصة، ولو صحت لكانت أولى بالنقل من غيرها لما فيها من الغرابة.
على أن ما ختم به لهاني - رحمه الله - من رده بيعة يزيد وقيامه بنصر الحسين - عليه السلام - حتى قتل: يأتي على كل ما فرط منه قبل ذلك - لو كان -.
وما أشبه حاله - حينئذ - بحال الحر - رحمه الله - إذ تاب فقبلت توبته بعد ما وقع منه ما وقع، وصدر ما صدر. وقد كان الامر فيه أشد وفي هاني أهون، فهو إلى القبول أقرب (1).