الفوائد الرجالية - السيد بحر العلوم - ج ٣ - الصفحة ٨٧
وقال الشيخ الحر: (والأصحاب يعدون حديثه حسنا وصحيحا) (1) وهو إشارة إلى الخلاف في حسن حديثه وصحته، ووجه الحسن ظاهر (2) أما الصحة فهي إما لكونه ثقة أو من مشائخ الإجازة إذ لم يثبت له كتاب يروى عنه، أو المعنى: يعدون حديثه في هذين القسمين المعتبرين، فيكون الحسن باعتبار غيره لا باعتباره. ولعل هذا أظهر، والأوجه انه شيخ ثقة وحديثه صحيح.
علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليه السلام - أبو القاسم المرتضى (3) علم الهدى، ذو المجدين وصاحب الفخرين والرياستين، والمروج لدين جده سيد الثقلين في المائة الرابعة

(١) ذكر ذلك الشيخ الحر العاملي - رحمه الله - في الفائدة الثانية عشرة من خاتمة (وسائل الشيعة) باب ما صدر بابن (ص ٥٦٣) طبع إيران سنة ١٣٢٤ ه‍.
(٢) ووجه الظهور: هو أن الحديث الحسن - على ما عرفه علماء فن الدراية - ما اتصل سنده إلى المعصوم بامامي ممدوح من غير نص على عدالته مع تحقق ذلك في جميع مراتب رواة طريقه، أو تحقق ذلك في بعضها بان كان فيهم واحد إمامي ممدوح غير موثق مع كون الباقي من الطريق من رجال الصحيح، ويوصف الطريق بالحسن لاجل ذلك الواحد، والمراد بالممدوح - هنا - أن لا يكون فاسد العقيدة ولا يكون ممدوحا من وجه ومذموما من وجه آخر، ويكون المدح بما يخرج الراوي عن قسم المجهولين، وهو ينطبق كل الانطباق على علي بن أحمد بن أبي جيد وروايته، لما عرفت آنفا، فلاحظ.
(٣) مهما حاول الكاتب أن يكتب في حياة الشريف المرتضى ويعدد فضائله في العلم والأدب، فهو دون عظمته ومقامه الأسمى، فقد طبق صيته النوادي وجاء ذكره الجميل في الكتب الفقهية والأدبية وفي طرق الإجازات، ولهج بذكره الأدباء والشعراء، وسار شعره في الآفاق، فهو - رحمه الله - شخصية فذة قلما يسمح الزمان بمثله ومثل أخيه الشريف الرضي من الاعلام، فماذا إذن يقول القائل في إطرائه:
وإذا استطال الشئ قام بنفسه * وصفات ضوء الصبح تذهب باطلا كانت داره تغص بالعلماء وطلاب الأدب، ورواد العلم والمعرفة من شتى الجهات الاسلامية وغيرها.
وقد اجتمع لديه من فنون العلوم وضروب الآداب ما قل أن يجتمع لسواه وضرب فيها جميعها بسهم وافر فكان فقيها انتهت إليه رئاسة الامامية في عصره - بعد وفاة أستاذه محمد بن محمد بن النعمان المفيد سنة ٤١٣ ه‍ - بعد أن درس الأصول ومحض الحقائق، واستخرج المسالك، ونصب نفسه بعد ذلك للفتيا، فشدت إليه الرحال، ووفدت إليه الناس من كل صقع، ووضع لكل كتابا، فهذه المسائل الديلمية، وتلك المسائل الطوسية، وهذه المسائل المصرية والموصلية، وهكذا وحذق في علم الكلام وأصول الجدل، فحاج النظراء والمتكلمين، وناظر المخالفين وكتابه الشافي حجة على طول باعه في الجدل، وله في تفسير القرآن وتأويل الكتاب ما كشف به عن بحر لا يسبر غوره، ولا ينال دوكه، وقد حفظ من أخبار العرب وأشعارهم ولغتهم ما جعله في الرعيل الأول من الرواة الحفاظ والأدباء، وبكل هذا كان إمام عصره غير مدافع، قال أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني الأندلسي المتوفى سنة ٥٤٢ ه‍ - على ما نقل عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان، واليافعي في مرآة الجنان - في أواخر كتابه (الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة): (كان هذا الشريف إمام أئمة العراق، بين الاختلاف والاتفاق، إليه فزع علماؤها، وعنه أخذ عظماؤها، صاحب مدارسها، وجماع شاردها وآنسها، مما سارت أخباره، وعرفت به أشعاره، وحمدت في ذات الله مآثره، إلى تواليفه في الدين، وتصانيفه في أحكام المسلمين، ما يشهد أنه فرع ذلك الأصل الأصيل، ومن أهل ذلك البيت الجليل، وكان بعد هذا شاعرا، وله ديوان شعر) قال ابن شهرآشوب: (إنه يزيد على عشرين الف بيت اختاره من شعره) وقد طبع في ثلاثة أجزاء بمصر سنة ١٣٧٦ ه‍ وقدم له كل من الأساتذة العلامة الكبير فقيد العلم والأدب الشيخ محمد رضا الشبيبي، ثم الأستاذ المحقق مصطفى جواد، ثم الأستاذ الكبير رشيد الصفار، وكانت مقدمة (الصفار) ضافية فقد ألمت بحياة السيد المرتضى - رحمه الله - وأغنت كل كاتب فيه وباحث.
وقال معاصره الثعالبي في (تتمة اليتيمة ج ١ ص ٥٣) طبع طهران سنة ١٣٥٣ ه‍ (وقد انتهت الرئاسة اليوم ببغداد إلى المرتضى في المجد والشرف، والعلم والأدب، والفضل والكرم، وله شعر في نهاية الحسن) ثم ذكر شيئا من شعره وقال: (وهو مما يتغنى به لرقته وحلاوته).
وذكره ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان، ج ٤ ص ٢٢٣) طبع حيدر آباد دكن: - بعد أن أورد كلاما متهافتا - قال: (... قال ابن أبي طي: هو أول من جعل داره دار العلم وقدرها للمناظرة، ويقال: إنه امر ولم يبلغ العشرين وكان قد حصل على رئاسة الدنيا: العلم مع العمل الكثير في السر، والمواظبة على تلاوة القرآن وقيام الليل وإفادة العلم، وكان لا يؤثر على العلم شيئا مع البلاغة وفصاحة اللهجة، وكان أخذ العلوم عن الشيخ المفيد... ويقال: إن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي كان يصفه بالفضل حتى نقل عنه أنه قال كان الشريف المرتضى ثابت الجأش، ينطق بلسان المعرفة، ويردد الكلمة المسددة فتمرق مروق السهم من الرمية، ما أصاب أصمى، وما أخطأ أشوى.
إذا شرع الناس الكلام رأيته * له جانب منه وللناس جانب وذكر بعض الامامية: أن المرتضى أول من بسط كلام الامامية في الفقه وناظر الخصوم، واستخرج الغوامض، وقيد المسائل، وهو القائل في ذلك:
كان لولاي غائضا مكرع الفقه * سحيق المدى بحر الكلام ومعان شحطن لطفا عن * الأفهام قربتها من الأفهام ودقيق أبرزته بجليل * وحلال أبنته من حرام) وهذه الأبيات من قصيدة طويلة قالها الشريف المرتضى - رحمه الله - في الفخر والحماسة، انظرها في ديوانه (ج 3 ص 260).
وليلاحظ أن ابن حجر في ترجمته للمرتضى غير وبدل في بعض الألفاظ كما غير وبدل في أبياته المذكورة، ولعل بعضها من شطحاته أو من شطحات المطبعة. هذا ما عدا الذي سقط منها واختلاطها بترجمة أبي الحسن علي بن الحسين المسعودي المؤرخ العلامة المشهور.
وقد سئل عن المرتضى فيلسوف المعرة أبو العلاء - بعد أن حضر مجلسه - فقال:
يا سائلي عنه لما جئت أسأله * فإنه الرجل العاري عن العار لو جئته لرأيت الناس في رجل * والدهر في ساعة والأرض في دار وكان نصير الدين الطوسي الفيلسوف الرياضي المشهور يقول إذا جرى ذكر المرتضى في درسه -: (صلوات الله عليه) ثم يلتفت إلى القضاة والمدرسين الحاضرين
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 87 88 94 95 96 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب السين سعيد بن مسعدة (الأخفش الأوسط) 5
2 سلار بن عبد العزيز الديلمي (أبو يعلى) 6
3 سلمان الفارسي (المحمدي) مفصل ترجمته، وذكر مناقبه 16
4 سهل بن زياد، الخلاف في توثيقه وتضعيفه، واختيار توثيقه وتصحيح روايته، والتدليل على ذلك 21
5 سهل بن حنيف الأنصاري، ممن أنكر على أبي بكر خلافته، وشهد (صفين) مع أمير المؤمنين (ع) ومات بالكوفة 31
6 سيف بن عميرة، الخلاف في توثيقه وتضعيفه بالوقف واختيار توثيقه، ونفي شبهة الوقف عنه، والتدليل على ذلك 36
7 باب الشين شهاب بن عبد ربه الأسدي، ذكر روايات تدل على توثيقه 53
8 باب العين عبادة بن الصامت الأنصاري ذكر لمحة في إطرائه 56
9 عبد العزيز بن نحرير (القاضي بن البراج) إطراؤه وعرض مؤلفاته 60
10 عبد الأعلى بن أعين العجلي. ذكر ما يدل على حسن حاله 63
11 عبد الله بن النجاشي - صاحب الرسالة - إطراؤه توثيقه 65
12 عبد الله بن يحيى الكاهلي، توثيقه وتصحيح حديثه 67
13 عبيد الله بن الحر الجعفي ترجمته، امتناعه عن نصرة الحسين (ع) ذكر ندمه - أخيرا - والحكم عليه بصحة الاعتقاد وسوء العمل 69
14 عثمان بن حنيف الأنصاري من المنكرين على أبي بكر خلافته 74
15 عثمان الأعمى البصري يروي حديثا يدل على وثاقته 79
16 علان - خال الكليني - الخلاف في اسمه واسم أبيه واستظهار أنه علي بن محمد 79
17 علي بن أحمد بن أبي جيد القمي، توثيقه والاعتماد على حديثه 83
18 علي بن الحسين - الشريف المرتضى - استعراض سلسلة آبائه إلى الإمام الكاظم (ع) من طرفي أبيه وأمه، مدح (المعري) له ولأبيه وأخيه الرضي، وبالتالي: ترجمته من قبل عامة المؤرخين والرجاليين - من الفريقين - وعرض لأساتذته وتلامذته ومؤلفاته في عامة الفنون والعلوم 87
19 علي بن حمزة بن بهمن الأسدي، ترجمة له بسيطة 155
20 علي بن حنظلة ذكر حديث يدل على تعديله 157
21 علي بن عيسى بن الفرج الربعي، من أئمة النحاة 159
22 علي بن محمد بن الزبير القرشي، الخلاف في توثيقه وتضعيفه، واختيار توثيقه 159
23 عمار بن موسى الساباطي، الخلاف في توثيقه وتضعيفه بالفطحية، واختيار: أنه فطي المذهب صحيح الرواية 162
24 عمار بن ياسر العنسي من أعاظم الصحابة المعذبين في الاسلام، مناقبه، قصة تيممه مع عمر بن الخطاب 170
25 عمرو بن عثمان (سيبويه) لمحة عن ترجمته 181
26 باب الفاء الفضل بن عبد الملك (البقباق)، الخلاف في توثيقه وتضعيفه باتهامه بعدم قوله بعصمة الإمام (ع) واختيار توثيقه والدفاع عنه 183
27 باب القاف القاسم بن سلام، من المشاهير في الحديث والأدب واللغة والغريب والفقه 190
28 القاسم بن الإمام موسى الكاظم (ع) تعظيمه، نسبه، زيارته، تعيين قبره 191
29 باب الميم مالك بن التيهان الأنصاري، من أعاظم الصحابة وممن شهد لأمير المؤمنين (ع) بحديث الغدير، ومن المنكرين على أبي بكر خلافته استشهد في (صفين) مع الحق 195
30 محمد بن أحمد بن إبراهيم الكوفي (أبو الفضل الصابوني) ممن أدرك الغيبتين، الخلاف في توثيقه وتضعيفه بالزيدية واستخلاص توثيقه وعرض مؤلفاته الكثيرة 199
31 محمد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي، إطراؤه وعرض مصنفاته الكثيرة، وذكر اتهامه بالقول بالقياس، والخلاف في الأخذ بكتبه من هذه الجهة، واختيار توثيقه واعتبار كتبه، والاجماع على مدحه والدفاع عن قوله بالقياس والتهم الأخرى 205
32 محمد بن الحسن الشيرواني (ملا ميرزا) ذكر مؤلفاته الكثيرة 225
33 محمد بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة)، إحاطته وتصنيفه في عامة العلوم الاسلامية، ذكر مؤلفاته والتعريف بها، ذكر أقوال المؤرخين والرجاليين - من الفريقين - في تعظيمه وتوثيقه، وفاته ومدفنه ومسجده 227
34 محمد بن الحسين بن أبي الفضل القزويني، التعريف به، الخلاف في أن القزويني والكيدري واحد أم اثنان، واستظهار أنه واحد 240
35 محمد بن سنان، الهمداني، من أصحاب الأئمة الأربعة: الكاظم والرضا والجواد والهادي (ع) الخلاف في اسمه، وفي توثيقه وتضعيفه بالكذب والغلو، واستنتاج توثيقه وعلو شأنه، وبرائته من التهم الملصقة به، والجواب عنها - تفصيلا - 249
36 محمد بن شجاع القطان، مدحه وقبول رواياته 278
37 محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار، من رجال (نوادر الحكمة)، التحقيق في أن محمد بن سالم هو محمد بن عبد الحميد - هذا - توثيقه، وتوثيق أبيه، والجواب عن القول بقدحه 280
38 محمد بن عبد الواحد (أبو عمرو الزاهد (غلام ثعلب) من أئمة اللغة 292
39 محمد بن علي... بن بابويه القمي (الشيخ الصدوق) ثناء الامام - صاحب الأمر (ع) عليه ذكر كتابه (الفقيه) وتفضيله على غيره من كتب الأخبار 292
40 محمد بن علي، (القاضي الكراجكي) لمحة عن كتابه (كنز الفوائد)، عرض لمشائخه وتلامذته، وطرق رواياته 302
41 محمد بن علي (ماجيلويه) القمي شيخ الصدوق مشائخه وتلامذته 308
42 محمد بن محمد بن النعمان (الشيخ المفيد) تلامذته وشيوخه، محاججاته مع العامة، مكاتبات الإمام الحجة (ع) له، تحقيق ولادته ووفاته ومقدار عمره. نسبه 311
43 محمد بن المستنير النحوي المعروف (قطرب) 324
44 محمد بن يعقوب (أبو جعفر الكليني)، الثناء عليه من عامة الرجالين والمؤرخين، والتعريف بكتابه (الكافي) وبقية مصنفاته، الخلاف في زمان وفاته، ومكان قبره 325
45 مسعدة بن صدقة العبدي، من رواة الصادق والكاظم (ع) الخلاف في توثيقه، واتهامه بالبترية والعامية 336
46 معلى بن محمد البصري، الخلاف في تعديله واضطراب مذهبه 339
47 المفضل بن مزيد، ذكر حديثين دالين على تشيعه ومدحه 341
48 المقداد بن عمرو بن ثعلبة (الكندي). من أعاظم الصحابة، والسابقين 342