معلنا، حتى أنه قد كان ألزم أهل بغداد بالنوح والبكاء وإقامة المآتم على الحسين - عليه السلام - يوم عاشوراء في السكك والأسواق، وبالتهنئة والسرور - يوم الغدير والخروج إلى الصحراء لصلاة العيد. ثم بلغ الامر في آخر أيامه إلى ما هو أعظم من ذلك. فكيف يتصور من ابن الجنيد - في مثل ذلك الوقت - أن ينكر ضروريات من ضروريات المذهب ويصنف في ذلك كتابا يبطل فيه ما هو معلوم عند جميع الشيعة ولا يكتفي بذلك حتى يسمي من خالفه فيه (أغمارا وجهالا). ومع ذلك فسلطانهم - مع علمه وفضله - يسأله ويكاتبه ويعظمه؟ ولولا قيام الشبهة والعذر في مثله لامتنع مثله بحسب العادة.
وأيضا: فقد ذكر اليافعي وغيره: أن معز الدولة أحمد بن بويه توفي سنة ست وخمسين وثلاث مائة (1) فيكون بينه وبين وفاة أبي الحسن علي بن محمد السمري - آخر السفراء - نحو من سبع وعشرين سنة، لأنه قد توفي - رحمه الله - سنة تسع وعشرين وثلاث مائة، وهذا يقتضي أن يكون ابن الجنيد من رجال الغيبة الصغرى معاصرا للسفراء.
بل ما ذكره النجاشي والعلامة من أمر السيف والمال قد يشعر بكونه وكيلا، ولم يرد فيه - مع ذلك - من الناحية المقدسة ذم ولا قدح، ولا صدر من السفراء عليه اعتراض ولا طعن.
فظهر: أن خطأه في أمر القياس وغيره في ذلك الوقت كان كالخطأ في مسائل الفروع التي يعذر فيها المخطئ، ولا يخرج به عن المذهب.
ومما ذكرنا يعلم: أن الصواب اعتبار أقوال ابن الجنيد ومذاهبه في تحقيق الوفاق والخلاف، كما عليه معظم الأصحاب، وأن ما ذهب إليه من أمر القياس ونحوه، لا يقتضي اسقاط كتبه، ولا عدم التعويل عليها