وبإصابة الحق والاجتهاد فعل المجتهد وهو غير الشئ المطلوب، فإذا أمرنا بالطلب لا بالشئ الذي وجد ما لم يكن عين الحق، والاجتهاد كله حق وهو طلب الحق وإرادته، وإنما غلط من غلط، لأنه توهم أن الاجتهاد هو فعل المجتهد للشئ الذي أداه إليه اجتهاده، فسقطوا سقوطا فاحشا. وقال تعالى: * (ليتفقهوا في الدين) * فأوجب تعالى التفقه وهو طلب الحقائق في واجبات الشريعة، وقال عليه السلام : أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا ففي هذا إيجاب إصابة الحق، وفي نهيه تعالى عن الكلام بغير علم إيجاب لإصابة الحق.
حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي، نا ابن مفرج، ثنا الصموت، ثنا البزار، وهو أحمد بن عمر بن عبد الخالق، نا الحسين بن مهدي، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا حكم الحاكم فاجتهد وأصاب فله أجران، وإن حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر وقد شغب بعضهم في قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر، إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فقال: معناه فتخطى صاحب الحق.
قال أبو محمد: وهذا عليهم لا لهم، لأنه ليس إلا خطأ أو صواب، فإذا تخطى صاحب الحق فقد حصل في الخطأ ولم يأمر الله تعالى قط الحاكم بإصابة صاحب الحق لأنه تكليف ما ليس في وسعه، إنما أمره بالحكم بالبينة العدلة عنده، أو اليمين أو بالاقرار أو بعلمه، فما حكم به من ذلك في موضعه فقد حكم بيقين الحق، أصاب صاحب الحق أو لم يصب، فإن قال قائل: بل تخطى الخطأ، قيل له هذا خروج عن المعقول، لأنه إذا تخطى الخطأ، فقد أصاب، وإذا أصاب فمن الذي أعطي أجرا واحدا على صوابه، ومن الذي أعطي أجرين على صوابه، وهذا وسواس ورقة في الدين ودليل على فساد الاعتقاد، وقال بعضهم: لو كان الحق في واحد لكان ما خالفه ضلالا.
قال أبو محمد: ونعم هو ضلال، ولكن ليس كل ضلال كفرا ولا فسقا إلا إذا كان عمدا وأما إذا كان عن غير قصد فالاثم مرفوع فيه كسائر الخطأ ولا فرق، وقال بعضهم: لو كان الحق في واحد لنص الله على ذلك نصا لا يحتمل التأويل.