الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٤٥
تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال.
قال أبو محمد: ففي بعض ما ذكرنا كفاية، لان الله تعالى نص على أن الاختلاف شقاق، وأنه بغي ونهى عن التنازع والتفرق في الدين، وأوعد على الاختلاف بالعذاب العظيم، وبذهاب الريح، وأخبر أن الاختلاف تفريق عن سبيل الله، ومن عاج عن سبيل الله تعالى فقد وقع في سبيل الشيطان، قال تعالى: * (قد تبين الرشد من الغي).
وقد نص تعالى على أن الاختلاف ليس من عنده، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يرض به، وإنما أراده تعالى إرادة كون، كما أراد كون الكفر وسائر المعاصي.
فإن قال قائل: إن الصحابة قد اختلفوا وأفاضل الناس، أفيلحقهم هذا الذم؟
قيل له، وبالله تعالى التوفيق: كلا، ما يلحق أولئك شئ من هذا، لان كل امرئ منهم تحرى سبيل الله ووجهة الحق، فالمخطئ منهم مأجور أجرا واحدا لنيته الجميلة في إرادة الخير، وقد رفع عنهم الاثم في خطئهم لأنهم لم يتعمدوه ولا قصدوه ولا استهانوا بطلبهم والمصيب مأجور منهم أجرين. وهكذا كل مسلم إلى يوم القيامة فيما خفي عليه من الدين ولم يبلغه، وإنما الذم المذكور والوعيد الموصوف، لمن ترك التعلق بحبل الله تعالى الذي هو القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم بعد بلوغ النص إليه، وقيام الحجة به عليه وتعلق بفلان وفلان مقلدا عامدا للاختلاف، داعيا إلى عصبية وحمية الجاهلية، قاصدا للفرقة، متحريا في دعواه برد القرآن والسنة إليها، فإن وافقها النص أخذ به، وإن خالفها تعلق بجاهليته وترك القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم فهؤلاء هم المختلفون المذمومون.
وطبقة أخرى وهم قوم بلغت بهم رقة الدين، وقلة التقوى، إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة من قول كل عالم، مقلدين له غير طالبين ما أوجبه النص عن الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: فإذ لا بد من مواقعة الاختلاف فكيف التخلص من هذا الذم الوارد في المختلفين، قيل له، وبالله تعالى التوفيق: قد علمنا الله تعالى الطريق في ذلك، ولم يدعنا في لبس وله الحمد، فقال تعالى: * (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه
(٦٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 640 641 642 643 644 645 646 647 648 649 650 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722