الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٨٤
واعترضوا أيضا بما رويناه بالسند المتقدم إلى مسلم: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا حفص بن غياث، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: قلت:
يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال: لا ينفعه إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.
قال أبو محمد: وهذا حجة لنا عليهم قوية جدا، لان النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل السبب في أن ما فعل لا ينفعه أنه لم يسلم، فصح أنه لو أسلم لنفعه ذلك كما نفع حكيما. وهذا نص قولنا، ونحن لم نقل قط إن الله تعالى يأجر كافرا مات على كفره، وعلى ما عمل من خير، وإنما قلنا: من أسلم بعد كفره أجر على كل خير عمل في كفره.
واعترضوا بقول الله تعالى: * (لئن أشركت ليحبطن عملك) *.
قال أبو محمد: وهذا حجة لنا، لان الشرك يحبط الأعمال، والاسلام يزكيها، ويبين ذلك قوله تعالى: * (أني لا أضيع عمل عامل منكم) * وإنما شرطنا أنه ينتفع بما عمل في كفره من خير إن أسلم لا إن لم يسلم.
واعترضوا أيضا بما رويناه عن مسلم بالسند المذكور قال: ثنا محمد بن المثنى، ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد، نا حياة بن شريح، ثنا يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فحدثنا أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الاسلام يهدم ما كان قبله، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وإن الحج يهدم ما كان قبله.
قال أبو محمد: وإنما يهدم الاسلام الكفر الذي هو مضاده، وحديث ابن مسعود زائد على ما في حديث عمرو غير مضاد له، بل هو مبين بيانا زائدا، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضاد بعضه بعضا، ففي حديث ابن مسعود زيادة حكم على ما في حديث عمرو، من أنه من أساء في الاسلام أخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أحسن في الاسلام سقط عنه ما عمل في الجاهلية، فإنما معنى حديث عمرو أن الاسلام يهدم ما كان قبله بشرط الاحسان فيه، وبالله تعالى التوفيق.
واعترضوا أيضا بما حدثنا عبد الله بن يوسف، عن أحمد بن فتح، عن عبد الوهاب ابن عيسى، عن محمد بن عيسى، عن عمرويه، عن إبراهيم بن محمد بن سفيان، عن
(٦٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 679 680 681 682 683 684 685 686 687 688 689 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722