قال علي: وإنما نازعنا في وجوب الافعال بعض أصحاب مالك، على أنهم أترك خلق الله تعالى لافعال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك أنه عليه السلام جلد في الخمر أربعين، وهم يجلدون ثمانين وودى حضريا - وهو عبد الله بن سهل ادعى قتله على حضريين وهم يهود خيبر - بالإبل، فقالوا هم: لا يجوز ذلك ولا يودى إلا بالذهب أو الفضة. وصلى على قبر، فقالوا هم: لا نفعل ذلك، وصلى على غائب، فقالوا هم: لا نرى ذلك، وقبل وهو صائم. فقالوا هم: نكره ذلك، وصلى عليه السلام حاملا أمامة، فقالوا نكره ذلك، وصلى جالسا والناس وراءه وأبو بكر إلى جنبه قائم. فقالوا: لا يجوز ذلك، ومن صلى كذلك بطلت صلاته، في كثير جدا اقتصرنا منه على ما ذكرنا.
وبعضهم تعلق في هذه الأفعال بأنها خصوص له عليه السلام، ومن فعل ذلك فقد تعرض لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن تعرض لغضبه عليه السلام فقد تعرض لغضب الله عز وجل، فقد غضب عليه السلام غضبا شديدا حين سأله الأنصاري عن قبلة الصائم: فأخبر عليه السلام أنه يفعل ذلك، فقال القائل: لست مثلنا يا رسول الله، أنت قد غفر لك ذنبك، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ غضبا شديدا وأنكر هذا القول، فمن أضل ممن تعرض لغضب الله عز وجل، وغضب رسوله عليه السلام في تقليد إنسان لا ينفعه ولا يضره، ولا يغني عنه من الله تعالى شيئا.
قال علي: واحتجوا في تخصيص القبلة للصائم بقول عائشة رضي الله عنها:
وأيكم أملك لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو محمد: وهذا القول منها، رضي الله عنها، أعظم الحجة عليهم، لأنها لم تقل ذلك على ما توهموا، وإنما قالته إنكارا على من استعظم القبلة للصائم. فأخبرهم أنه عليه السلام كان أورع منهم، وأملك لإربه، ولكنه مع ذلك لم يمتنع من التقبيل وهو صائم، فكيف أنتم. ويدل على صحة هذا التأويل دليلان بينان:
أحدهما: أنها رضي الله عنها هكذا قالت في مباشرة الحائض أنه عليه السلام كان يأمرها فتتزر ثم يباشرها، وأيكم أملك لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلزمهم