الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٤٦
وهذا عثمان رضي الله عنه، فقد رووا عنه أنه بعث إلى الفريعة أخت أبي سعيد الخدري يسألها عما أفتاها به رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر عدتها، وأنه أخذ بذلك، وأمر برجم امرأة قد ولدت لستة أشهر، فذكره علي بالقرآن وأن الحمل قد يكون ستة أشهر، فرجع عن الامر برجمها.
وهذا علي رضوان الله عليه: يعترف بأن كثيرا من الصحابة كانوا يحدثونه بما ليس عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يستحلفهم على ذلك حاشا أبا بكر فإنه كان لا يستحلفه، وأن الله تعالى كان ينفعه بما شاء أن ينفعه مما سمع من ذلك مما لم يكن عنده قبل ذلك.
وهذا طلحة: يبيح الذهب بالفضة نسيئة، حتى ذكره عمر. وهذا ابن عمر وابن عباس: يبيعان الدرهم بالدرهمين، حتى ذكرا فأمسكا، ثم رواه ابن عمر عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره مسلم، فرجع ابن عمر إلى ذلك وترك رأيه ثم رواه ابن عمر فقال: هذا عهد نبينا إلينا. ذكره مالك عن حميد عن مجاهد عن ابن عمر، وصدق ابن عمر، ونحن نقول في حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغنا: هذا عهد نبينا إلينا فهكذا نحمل أمر جميع ما روي من رواية الصاحب للحديث، ثم روي عنه مخالفته إياه أنه إنما أفتى بخلاف الحديث قبل أن يبلغه، فلما حدث بما بلغه، لا يحل أن يظن بالصاحب غير هذا، وهذا نص ما ذكرنا عن ابن عمر ببيان لا يخفى، وأنهم تأولوا فيما سمعوا من الحديث.
ومن حمل ذلك على غير ما قلنا فإنه يوقع الصاحب ولا محالة تحت أمرين، وقد أعاذهم الله تعالى منهما، كلاهما ضلال وفسق، وهما إما المجاهرة بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يحل لاحد، ولا يحل أن يظن بهم، وإما أن يكون عندهم علم أوجب عليهن مخالفة ما رووا فما هم في حل أن يكتموه عنا ويحدثوا بالمنسوخ، ويكتموا عنا الناسخ. وهذه الصفة كفر من فاعلها وتلبيس في الدين، ولا ينسب هذا إليهم إلا زائغ القلب أو جاهل أعمى القلب، فبطل ظنهم الفاسد، وصح قولنا والحمد لله رب العالمين. ولا سبيل إلى وجه ثالث أصلا إلا أن يكونوا نسوا حينئذ بعض ما قد رووه قبل ذلك فهذا ممكن أيضا. فإن كانوا تأولوا فالتأويل منهم
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258