وهذا عثمان رضي الله عنه، فقد رووا عنه أنه بعث إلى الفريعة أخت أبي سعيد الخدري يسألها عما أفتاها به رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر عدتها، وأنه أخذ بذلك، وأمر برجم امرأة قد ولدت لستة أشهر، فذكره علي بالقرآن وأن الحمل قد يكون ستة أشهر، فرجع عن الامر برجمها.
وهذا علي رضوان الله عليه: يعترف بأن كثيرا من الصحابة كانوا يحدثونه بما ليس عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يستحلفهم على ذلك حاشا أبا بكر فإنه كان لا يستحلفه، وأن الله تعالى كان ينفعه بما شاء أن ينفعه مما سمع من ذلك مما لم يكن عنده قبل ذلك.
وهذا طلحة: يبيح الذهب بالفضة نسيئة، حتى ذكره عمر. وهذا ابن عمر وابن عباس: يبيعان الدرهم بالدرهمين، حتى ذكرا فأمسكا، ثم رواه ابن عمر عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره مسلم، فرجع ابن عمر إلى ذلك وترك رأيه ثم رواه ابن عمر فقال: هذا عهد نبينا إلينا. ذكره مالك عن حميد عن مجاهد عن ابن عمر، وصدق ابن عمر، ونحن نقول في حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغنا: هذا عهد نبينا إلينا فهكذا نحمل أمر جميع ما روي من رواية الصاحب للحديث، ثم روي عنه مخالفته إياه أنه إنما أفتى بخلاف الحديث قبل أن يبلغه، فلما حدث بما بلغه، لا يحل أن يظن بالصاحب غير هذا، وهذا نص ما ذكرنا عن ابن عمر ببيان لا يخفى، وأنهم تأولوا فيما سمعوا من الحديث.
ومن حمل ذلك على غير ما قلنا فإنه يوقع الصاحب ولا محالة تحت أمرين، وقد أعاذهم الله تعالى منهما، كلاهما ضلال وفسق، وهما إما المجاهرة بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يحل لاحد، ولا يحل أن يظن بهم، وإما أن يكون عندهم علم أوجب عليهن مخالفة ما رووا فما هم في حل أن يكتموه عنا ويحدثوا بالمنسوخ، ويكتموا عنا الناسخ. وهذه الصفة كفر من فاعلها وتلبيس في الدين، ولا ينسب هذا إليهم إلا زائغ القلب أو جاهل أعمى القلب، فبطل ظنهم الفاسد، وصح قولنا والحمد لله رب العالمين. ولا سبيل إلى وجه ثالث أصلا إلا أن يكونوا نسوا حينئذ بعض ما قد رووه قبل ذلك فهذا ممكن أيضا. فإن كانوا تأولوا فالتأويل منهم