الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٤٠
وجها ينجو به من الشرك، إلا أن يتعلق بفعل له عليه السلام آخر، أو بأمر له آخر أو يكون لم يصح عنده ذلك الامر الذي رغب عنه، فإن تعلق بأنه خصوص له صلى الله عليه وسلم، فهو أحد الكاذبين الفساق، ما لم يأت على دعواه بدليل من نص أو إجماع قال علي: وأما من ادعى أن أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض علينا أن نفعل مثلها فقد أغفل جدا، وأتى بما لا برهان له على صحته، وما كان هكذا فهو دعوى كاذبة، لان الأصل ألا يلزمنا حكم حتى يأتي نص قرآن أو نص سنة بإيجابه، وأيضا فإنه قول يؤدي إلى ما لا يفعل، ولزمه أن يوجب على كل مسلم أن يسكن حيث سكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يجعل رجليه حيث جعلهما عليه السلام، وأن يصلي حيث صلى عليه السلام، وأن يصوم فرضا الأيام التي كان يصومها عليه السلام، وأن يجلس حيث جلس، وأن يتحرك مثل كل حركة تحركها عليه السلام، وأن يحرم الاكل متكئا وعلى خوان والشبع من خبز البر مأدوما ثلاثا تباعا، وأن يوجب فرضا أكل الدباء ويتتبعها وهذا ما لا يوجبه مسلم، مع أن هذا يخرج إلى المحال، وإلى إرجاع ما لا سبيل إلى إرجاعه مما قد فات وبطل بالاكل والشرب منه عليه السلام.
فبطل بما ذكرنا أن تكون أفعاله عليه السلام واجبة علينا، إذ لم يأت على ذلك دليل، بل قد قام الدليل والبرهان على أن ذلك غير واجب بالآية التي ذكرنا، وكل من له أقل علم باللغة العربية فإنه يعلم أن ما قيل فيه: هذا لك أنه غير واجب قبوله، بل مباح له تركه إن أحب كالمواريث وكل ما خيرنا فيه، وأن ما جاء بلفظ: عليك كذا فهذا هو الملزم لنا، ولا بد فلما قال تعالى: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * كنا مندوبين إلى ذلك، وكنا مباحا لنا ألا نأتسي غير راغبين عن الائتساء به، لكن عالمين أن الذي تركنا أفضل والذي فعلنا مباح كجلوس الانسان وتركه أن يصلي تطوعا، فليس آثما بذلك ولو صلى تطوعا لكان أفضل إلا أن يكون ترك التطوع راغبا عنها في الوقت المباح فيه التطوع، فهذا خارج عن الاسلام بلا خلاف، لأنه شارع شريعة لم يأت بها إذن.
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258