فإنما هو مبيح لذلك الشئ فقط، وغير موجب له، ولا نادب إليه، لان الله عز وجل افترض عليه التبليغ وأخبره أنه يعصمه من الناس وأوجب عليه أن يبين للناس ما نزل إليهم فمن ادعى أنه عليه السلام علم منكرا فلم ينكره، فقد كفر لأنه جحد أن يكون عليه السلام بلغ كما أمر، ووصفه بغير ما وصفه به ربه تعالى، وكذبه في قوله عليه السلام: اللهم هل بلغت فقال الناس: نعم، فقال: اللهم اشهد قال ذلك في حجة الوداع.
فإن اعترض معترض بحديث جابر أنه سمع عمر رضوان الله عليهما يحلف بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم على أن ابن صياد هو الدجال فلم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حجة علينا في هذا، لان ابن صياد في أول أمره كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكا في أمره، أهو الدجال أم لا؟ بذلك جاءت الأحاديث الصحاح ويبين ذلك قول عمر فيه: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال عليه السلام: إن يكن هو فلن تسلط عليه أو نحو ذلك من الكلام، فحلف عمر على تقديره ومن حلف على ما لا يعلم ولا يوقن أنه باطل ولا حق فليس هو عندنا حانثا ولا آثما، إذا كان تقديره أنه كما حلف عليه، فهذا الحديث حجة لنا، وليس فيه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم صدق يمينه فإنا في الحديث أن أمر ابن صياد كان حينئذ ممكنا، والحالف على الممكن كما ذكرنا لم يأت منكرا، فيلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تغييره.
قال علي: وأما من قال: إن أفعاله صلى الله عليه وسلم على الوجوب، فقوله ساقط، لان الله تعالى لم يوجب علينا قط في شئ من القرآن والسنن أن نفعل مثل فعله عليه السلام، بل قال تعالى: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وانما أنكر عليه السلام على من تنزه أن يفعل مثل فعله عليه السلام، وهذا هو غاية المنكر كمن تنزه عن التقبيل في رمضان نهارا وهو صائم، أتنزه أن يمشي حافيا حاسرا زاريا على من فعل ذلك، وأما من ترك أن يفعل مثل فعله عليه السلام لا عن رغبة عنه فما أنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، وهذا التارك للائتساء به صلى الله عليه وسلم غير راغب عن ذلك لا محسن ولا مسئ ولا مأجور ولا آثم، والمؤتسي به عليه السلام محسن مأجور والراغب عن الائتساء به بعد قيام الحجة عليه إن كان زاريا على محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وما نعلم لمن صحح عنه فعلا ثم رغب عنه