تهذيب الأصول - تقرير بحث السيد الخميني ، للسبحاني - ج ٣ - الصفحة ١٦٥
غير فرق بين ان يرجع ذلك إلى معاشه وحياته المادي وغيره، فالجاهل بأمور الصنائع يرجع إلى الصناع، والمريض المسدود عليه باب معالجة مرضه يرجع إلى الأطباء، وهكذا وهذا البناء من العقلاء أو الفطرة الانسانية بمثابة، لا يرتدع عنه الانسان الا بقول صريح ونص مبين، ينادى بأعلى صوته: يا معشر العقلاء، يحرم عليكم الرجوع إلى الصناع والفلاح والأطباء فيما تجهلونه إذا لم يفد قولهم العلم، ولا يكفي في ذلك العمومات التي أوضحنا حالها عند البحث عن حجية الظن من حرمة العمل بالظن و غيرها لا لأنه لا يرى العمل بأقوالهم عملا بالظن بل عملا بالعلم كما قيل وإن كان له وجه أيضا بل لأن هذه الأمور المرتكزة التي فطر عليها الانسان في حياته، بمثابة من الرسوخ والاستحكام، لا ينقدح في أذهانهم ان الغرض من تلك العمومات، ردعها وقلعها من رأس ولا ينتقل منها إليه، ما لم ينص عليه بصريح القول، وأوضح شاهد عليه، ان المخاطبين في عصر نزول هذه الآيات، لم يتنبه أحد ولم ينتقل واحد منهم إلى أن الهدف منها ردع تلك المرتكزات وانه لا يجوز بعد نزولها، العمل بقول الثقة، أو لا يجوز ترتيب اثر الملكية على اليد وغيرها من الأمارات الظنية بل بقوا على ما كانوا و (عليه) رجوع الجاهل في احكامه العرفية أو الشرعية فرع من فروع ذلك البناء، وصرح قائم عليه.
وربما يورد عليه بان الأمور العقلائية انما يسمن ويغنى إذا كان بمرأى ومنظر من النبي أو الأئمة من بعده حتى يستكشف من سكوته رضاه، ومن عدم ردعه كونه مرضيا عنده واما الأمور العقلائية المستحدثة، التي لم يكن في زمنهم (ع) منها عين ولا اثر، فلا يدل عدم ردعه على رضائه، وما نحن فيه من هذا القبيل، فان الامر الدارج في أزمنتهم، انما هو الرجوع إلى نظراء عبد الله بن عباس، و معاذ، ومحمد بن مسلم وزرارة، وابن أبي يعفور وأبان و.. الذين أخذوا الاحكام، عن مستقى الوحي، وأئمة الدين وعاشروهم مدة طويلة، حتى صاروا بطانة علومهم، ومخازن معارفهم، ومعادن اسرارهم، فنقلوا ما سمعوها باسماعهم وابصروها بأعينهم إلى الأجيال القادمة من دون اجتهاد ولا اعمال نظر، فارجعوا شيعتهم إلى تلك العلماء
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»
الفهرست