تهذيب الأصول - تقرير بحث السيد الخميني ، للسبحاني - ج ٣ - الصفحة ١٤٠
بأنه لم يكن في اعصار الأئمة عين ولا اثر من هذه المسائل المدونة، سخيف جدا، للفرق الواضح بين اعصارهم واعصارنا، على أن بعض ما عددناه من المسائل كان منقحا عند أهل الاستنباط في تلك الاعصار، كما هو واضح على من سبر أبواب الفقه، وفصول الروايات.
والحاصل: ان معرفة مسائل أصول الفقه التي احتل في هذه الاعصار المكانة العظمى، من أهم ما يتوقف عليه رحى الاستنباط، إذ لو لم يثبت عندها حجية قول الثقة أو صحة العمل بالظواهر، ولم نعلم الوظيفة عند فقدان الدليل، أو كيفية الجمع، فلا يمكن لنا الاعتماد على قول الثقة أو الظواهر عند الاستنباط ونصير متحيرا عند فقدان الدليل، أو تعارضه فلابد للفقيه تنقيح هذه المسائل، وما يقع في موقفها من البحث في عموم الألفاظ أو خصوصها، مطلقها ومقيدها، وما يشبهها من البحث في مفاد الأوامر والنواهي كل ذلك على نحو الاجتهاد، على حسب ما يسوقه الدليل.
ليت شعري، ما الدليل على الاستغناء عن تنقيح هذه المباحث مع أن أكثر مدارك هذه المسائل موجود في الذكر الحكيم، والروايات المأثورة، والمرتكزات الفطرية العرفية العقلائية، كما أن بعض مسائلها مما يستدل عليه من طريق العقل، كاجتماع الامر والنهى، فان مرجع البحث فيه إلى أنه هل يلزم على القول بالاجتماع اجتماع الضدين أو النقيضين الذي أجمع العقلاء حتى الاخباري على امتناعه.
واما تدوينها في كتاب مستقل، فليس من البدع المحرمة والمحدثات المذمومة، إذ كل علم إذا كثر البحث حوله، تشعب فنونه، وصار لائقا لان يدون في كتاب مستقل وما تمسك به الاخباري في الاستغناء عنه من أن الروايات المأثورة مقطوعة الصدور، مما لا يسمن ولا يغنى من جوع فإنه على فرض صحته لا يثبت ما رامه، ولا يوجب الغناء عن كثير من مسائل أصول الفقه، وبالجملة فدعوى الغناء مجازفة.
نعم: لابد من الاكتفاء علي المباحث التي تعد مقدمة واقعية على الاستنباط بحيث لولاها لاختل نظامه، وانفصم عقده، واما مالا دخالة لها في تحصيله، فالاشتغال به ضياع للعمر، وانحراف عن الهدف، ولولا خوف الإطالة لعددت عليك
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»
الفهرست