تهذيب الأصول - تقرير بحث السيد الخميني ، للسبحاني - ج ٣ - الصفحة ١٣٧
الغير، هو من كان ذا قوة وملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي من مداركها وان لم يستنبط فرعا من الفروع فلو زاول الرجل مقدمات الاجتهاد، ومارسها ممارسة أكيدة، بحيث حصل من تلك المزاولة قوة الاجتهاد، ونال المرتبة القدسية، وان لم يستنبط فرعا واحدا ولم يرجع إلى مسألة واحدة بحيث يصدق في حقه فعلا انه جاهل بالأحكام، يحرم عليه تقليد الغير، فيجب عليه استفراغ الوسع والبال لتحصيل الحكم الشرعي لان الدليل على جواز رجوع الجاهل إلى الغير، ليس الا بناء العقلاء، وما ورد في الكتاب والسنة من التحريص إلى الرجوع ليس الا ارشادا إلى الفطرة المرتكزة وهو دليل لبى لا اطلاق له حتى يتمسك باطلاقه، خصوصا إذا علم أن مؤدي الامارات و الأصول عنده قد يكون مخالفا لرأى من يريد ان يرجع إليه بحيث لو استفرغ الوسع لوقف على خطأه في الاجتهاد، فلا يعذره العقلاء لو رجع وبان خطأه والحال هذه.
وان شئت قلت: ان المتيقن أو ما هو الظاهر من بناء العقلاء هو الجاهل الذي لا يتمكن فعلا من تحصيل الأحكام الواقعية من طرقه المألوفة، فعليه ان يرجع إلى المتمكن واما القادر على تحصيلها من طرقها، بحيث لا حاجز بينه وبينها، الا مراجعة الامارات و الأصول، المجتمعة في الكتاب والسنة فخارج عنه بل يجب عليه بذل الجهد، في تحصيل ما هو ضالته، وما يدور عليه وظايفه.
والحاصل: انه لو باشر وقام على تحصيل الأحكام الشرعية بنفسه فهو مأمون من العتاب والعقاب، أصاب أو أخطأ، لكونه خبيرا فيما باشره، والخبير قد يصيب وقد لا يصيب، واما إذا رجع إلى الغير، فلو كان الغير خاطئا في اجتهاده، فلا يعذر في مراجعته لأنه من المحتمل جدا عدم خطائه فيما لو باشره بنفسه.
فان قلت: جرت سيرة العقلاء من أصحاب الصنائع وغيرهم على خلاف ذلك، فربما يدفعون كلفة التدبر والتشخيص في أمر إلى ذمة الغير، مع كون الدافع قادرا على القيام به بنفسه قلت: قياس التكاليف الإلهية بما جرت السيرة عليه بين الصناعين قياس مع الفارق فان رجوعهم إلى الغير لأجل تقديم بعض الغايات على بعض، كتقديم الاستراحة والعيش، على التعب والوصب أو من باب الاحتياط والوقوف على نظر الغير،
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»
الفهرست