حتى يطمئن قلبه إذا حصل التوافق بين الرأيين أو غير ذلك، مما لا مساغ لها في الأحكام الشرعية ، ومع هذا كله، يمكن تقريب جواز رجوعه إلى الغير، بما يلي: ان ملاك رجوع الجاهل إلي الغير، ليس الا الغاء احتمال الخطاء والخلاف في نظر الغير، لكونه غالب الموافقة وكثير الإصابة، كما أن ذلك هو الملاك في العمل بالامارات وأمثالها، وهذا الملاك بعينه موجود، في الجاهل القادر على الاستنباط، فعليه ان يدفع كلفة الاجتهاد عن نفسه نعم لو استفرغ الوسع، وصار مؤدى نظره مخالفا لما رآه غيره لا يجوز له الرجوع إليه لكونه مخطئا في نظره.
هذا ولكنه لا يخلو عن غموض، فان هذا يصح لو كان الاختلاف بين الفقهاء طفيفا، لا كثيرا، والجاهل القادر علي بذل الجهد، يعلم من نفسه انه لو تصدي لاستفراغ الوسع، لوقف على خطايا كثيرة في انظار من يريد الرجوع إليه، ومعه كيف يجوز له الرجوع، ومن المحتمل أن يكون للعجز دخالة في جواز الرجوع، واما سيرة المتشرعة فالمتيقن منها غير ذلك، هذا وللمقال صلة فانتظر.
اما الجهة الثانية أعني ما هو الموضوع لجواز العمل برأيه، فيجوز لمن استفرغ الوسع في تحصيل الأحكام الشرعية من طرقها المألوفة لدى أصحاب الفن، أو بذل جهده في تحصيل ما هو العذر بينه وبين ربه ان يعمل برأيه ويستغنى بذلك عن الرجوع إلى الغير. غير أن ذلك يتوقف على مقدمات ومبادي كثيرة نشير إلى أكثرها.
1 - الوقوف علي القواعد العربية ومعرفة مفرداتها، على حد يتوقف عليه فهم الكتاب والسنة، ولا يحصل ذلك الا بمزاولتها وممارستها على نحو يقف على قواعدها ومفرداتها، والكنايات والاستعارات التي تختص بالكتاب والسنة، وسائر الخصوصيات التي لا مناص للفقيه عنها.
2 - تمييز المعاني العرفية الدارجة بين الناس على اختلافهم، من المعاني العقلية الدقيقة، التي لا يقف عليها الا ثلة قليلة فان الكتاب والسنة وردا في مستوى الافهام المعمولة والمعاني الدارجة بين عامة الطبقات، لا أقول إن كل ما بين الدفتين