تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٩ - الصفحة ١٧٩
«إن إلى ربك الرجعى» تهديد للطاغي وتحذير له من عاقبة الطغيان والالتفات للتشديد في التهديد والرجعي مصدر بمعنى الرجوع كالبشرى وتقديم الجار والمجرور عليه لقصره عليه أي إن إلى مالك أمرك رجوع الكل بالموت والبعث لا إلى غيره استقلالا ولا اشتراكا فسترى حينئذ عاقبة طغيانك وقوله تعالى «أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى» تقبيح وتشنيع لحاله وتعجيب منها وإيذان بأنها من الشناعة والغرابة بحيث يجب أن يراها كل من يتأتى منه الرؤية ويقضى منها العجب روي أن أبا جهل قال في ملأ من طغاة قريش لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن عنقه فرآه عليه السلام في الصلاة فجاءه ثم نكص على عقبيه فقالوا مالك قال إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة فنزلت ولفظ العبد وتنكيره لتفخيمه عليه السلام واستعظام النهي وتأكيد التعجب منه والرؤية ههنا بصرية وأما ما في قوله تعالى «أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى» وما في قوله تعالى «أرأيت إن كذب وتولى» فقلبية معناه أخبرني فإن الرؤية لما كانت سببا للإخبار عن المرئي أجرى الاستفهام عنها مجرى الاستخبار عن متعلقها والخطاب لكل من صلح للخطاب ونظم الأمر والتكذيب والتولي في سلك الشرط المتردد بين الوقوع وعدمه ليس ليس باعتبار نفس الأفعال المذكورة من حيث صدورها عن الفاعل فإن ذلك ليس في حيز التردد أصلا بل باعتبار أوصافها التي هي كونها أمرا بالتقوى وتكذيبا وتوليا كما في قوله تعالى «قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به» كما مر والمفعول الأول لأرأيت محذوف وهو ضمير يعود إلى الموصول أو اسم إشارة يشار به إليه ومفعوله الثاني سد مسده الجملة الشرطية بجوابها المحذوف فإن المفعول الثاني لأرأيت لا يكون إلا جملة استفهامية أو قسمية والمعنى أخبرني ذلك الناهي إن كان على الهدى فيما ينهى عنه من عبادة الله تعالى أو آمرا بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده أو مكذبا للحق معرضا عن الصوب كما نقول نحن «ألم يعلم بأن الله يرى» أي يطلع على أحواله فيجازيه
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة