ذلك أي إرادة أن يتأملوا فيتنبهوا للحقائق وما فيه من العبر ويحترزوا عما يؤدي إلى مثل ما أصاب الأولين من العذاب «أفأمن الذين مكروا السيئات» هم أهل مكة الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وراموا صد أصحابه عن الإيمان عليهم الرضوان لا الذين احتالوا الهلاك الأنبياء كما قيل ولا من يعم الفريقين لما أن المراد تحذير هؤلاء عن إصابة مثل ما أصاب أولئك من فنون العذاب المعدودة والسيئات نعت لمصدر محذوف أي مكروا المكرات السيئات التي قصت عنهم أو مفعول به للفعل المذكور على تضمينه معنى العمل أي علموا السيئات فقوله تعالى «أن يخسف الله بهم الأرض» مفعول لأمن أو السيئات صفة لما هو المفعول أي أي أفأمن الماكرون العقوبات السيئة وقوله أن يخسف الخ بدل من ذلك وعلى كل حال فالفاء للعطف على مقدر ينسحب عليه النظم الكريم أي أنزلنا إليك الذكر لتبين لهم مضمونه الذي من جملته أنباء الأمم المهلكة بفنون العذاب ويتفكروا في ذلك ألم يتفكروا فأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض كما فعل بقارون على توجيه الإنكار إلى المعطوفين معا أو أتفكروا فأمنوا على توجيهه إلى المعطوف على أن الأمن بعد التفكر مما لا يكاد يفعله أحد وقيل هو عطف على مقدر ينبئ عنه الصلة أي أمكر فأمن الذين مكروا الخ «أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون» بإتيانه أي في حالة غفلتهم أو من مأمنهم أو من حيث يرجون إتيان ما يشتهون كما حكى فيما سلف مما نزل بالماكرين «أو يأخذهم في تقلبهم» أي في حالة تقلبهم في مسائرهم ومتاجرهم «فما هم بمعجزين» بممتنعين أو فائتين بالهرب والفرار على ما يوهمه حال التقلب والسير والفاء إما لتعليل الأخذ أو لترتيب عدم الإعجاز عليه دلالة على دوام النفي لا نفي الدوام «أو يأخذهم على تخوف» أي مخافة وحذر عن الهلاك والعذاب بأن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا فيأخذهم العذاب وهم متخوفون وحيث كانت حالتا التقلب والتخوف مظنة للهرب عبر عن إصابة العذاب فيهما بالأخذ وعن إصابته حالة الغفلة المنبئة عن السكون بالإيتان وقيل التخوف التنقص قال قائلهم * تخوف الرحل منها تامكا قردا * كما تخوف عود النبعة السفن * أي يأخذهم على أن ينقصهم شيئا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا والمراد بذكر الأحوال الثلاث بيان قدرة الله سبحانه على إهلاكهم بأي وجه كان لا الحصر فيها «فإن ربكم لرؤوف رحيم» حيث لا يعاجلكم بالعقوبة ويحلم عنكم مع استحقاقكم لها
(١١٧)