العقوبة النارية يرده قوله تعالى «وذلك جزاء الظالمين» فإنه صريح في ان كونه من أصحاب النار تمام العقوبة وكمالها والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبلها ولقد سلك في صرفه عما نواه من الشر كل مسلك من العظة والتذكير بالترغيب تارة والترهيب أخرى فما أورثه ذلك الا الاصرار على الغي والانهماك في الفساد «فطوعت له نفسه قتل أخيه» أي وسعته وسهلته من طاع له المرتع إذا اتسع وترتيب التطويع على ما حكى من مقالات هابيل مع تحققه قبلها أيضا كما يفصح عنه قوله لأقتلنك لما ان بقاء الفعل بعد تقرر ما يزيله من الدواعي القوية وان كان استمرار عليه بحسب الظاهر لكنه في الحقيقة امر حادث وصنع جديد كما في قولك وعظته فلم يتعظ أو لان هذه المرتبة من التطويع لم تكن حاصلة قبل ذلك بناء على تردده في قدرته على القتل لما انه كان أقوى منه وانما حصلت بعد وقوفه على استسلام هابيل وعدم معارضته له والتصريح بأخوته لكمال تقبيح ما سولته نفسه وقرئ فطاوعت على انه فاعل بمعنى فعل أو على ان قتل أخيه كأنه دعى نفسه إلى الإقدام عليه فطاوعته ولم تمتنع وله لزيادة الربط كقولك حفظت لزيد ماله «فقتله» قيل لم يدر قابيل كيف يقتل هابيل فتمثل إبليس واخذ طائرا ووضع رأسه على حجر ثم شدخها بحجر اخر فتعلم منه فرضخ راس هابيل بين حجرين وهو مستسلم لا يستعصى عليه وقيل اغتاله وهو نائم وكان لهابيل يوم قتل عشرون سنة واختلف في موضع قتله فقيل عند عقبة حراء وقيل بالبصرة في موضع المسجد الأعظم وقيل في جبل بود ولما قتله تركه بالعراء لا يدري ما يصنع به فخاف عليه السباع فحمله في جراب على ظهره أربعين يوما وقيل سنة حتى أروح وعكفت عليه الطيور والسباع تنظر متى يرمى به فتأكله «فأصبح من الخاسرين» دينا ودنيا «فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه» روى انه تعالى بعث غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الاخر فحفر له بمنقاره ورجليه حفرة فألقاه فيها والمستكن في يريه الله تعالى أو للغراب والآلام على الأول متعلقة ببعث حتما وعلى الثاني يبحث ويجوز تعلقها ببعث أيضا وكيف حال من ضمير يوارى والجملة ثاني مفعولى يرى والمراد بسوأة أخيه جسده الميت «قال» استئناف مبني على سؤال نشا من سوق الكلام كأنه قيل فماذا قال عند مشاهدة حال الغراب فقيل قال «يا ويلتي» هي كلمة جزع وتحسر والألف بدل من ياء المتكلم والمعنى يا ويلتي احضرى فهذا أوانك والويل والويلة الهلكة «أعجزت أن أكون» أي عن ان أكون «مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي» تعجب من عدم اهتدائه إلى ما اهتدى اليه الغراب وقوله تعالى فأواري بالنصب عطف على ان أكون وقرا بالرفع أي فانا أوارى «فأصبح من النادمين» أي على قتله لما كابد فيه من التحير في امره وحمله على رقبته مدة طويله روى انه لما قتله اسود جسده وكان ابيض فسأله ادم عن أخيه فقال
(٢٨)