هذه الآيات وعفت كما قالوا أساطير الأولين ودرست بضم الراء مبالغة في درست أي اشتد دروسها ودرست على البناء للمفعول بمعنى قرئت أو عفيت ودارست وفسروها بدارست اليهود محمدا صلى الله عليه وسلم وجاز الإضمار لاشتهارهم بالدراسة وقد جوز إسناد الفعل إلى الآيات وهو في الحقيقة لأهلها أي دارس أهل الآيات وحملتها محمدا صلى الله عليه وسلم وهم أهل الكتاب ودرس أي درس محمد ودارسات أي هي دارسات أي قديمات أو ذات درس كعيشة راضية وقوله تعالى «ولنبينه» عطف على ليقولوا واللام على الأصل لأن التبيين غاية التصريف والضمير للآيات باعتبار المعنى أو للقرآن وإن لم يذكر أو للمصدر أي ولنفعل التبيين واللام في قوله تعالى «لقوم يعلمون» متعلقة بالتبيين وتخصيصه بهم لما أنهم المنتفعون به قال ابن عباس هم أولياؤه الذين هداهم إلى سبيل الرشاد ووصفهم بالعلم للإيذان بغاية جهل الأولين وخلوهم عن العلم بالمرة «اتبع ما أوحي إليك من ربك» لما حكي عن المشركين قدحهم في تصريف الآيات عقب ذلك بأمره صلى الله عليه وسلم بالثبات على ما هو عليه وبعدم الاعتداد بهم وبأباطيلهم أي دم على ما أنت عليه من اتباع ما أوحي إليك من الشرائع والأحكام التي عمدتها التوحيد وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من إظهار اللطف به ما لا يخفى وقوله تعالى «لا إله إلا هو» اعتراض بين الأمرين المتعاطفين مؤكد لإيجاب اتباع الوحي لا سيما في أمر التوحيد وقد جوز أن يكون حالا من ربك أي منفردا في الألوهية «وأعرض عن المشركين» لا تحتفل بهم وبأقاويلهم الباطلة التي من جملتها ما حكي عنهم آنفا ومن جعله منسوخا بآية السيف حمل الإعراض على ما يعم الكف عنهم «ولو شاء الله» أي عدم إشراكهم حسبما هو القاعدة المستمرة في حذف مفعول المشيئة من وقوعها شرطا وكون مفعولها مضمون الجزاء «ما أشركوا» وهذا دليل على أنه تعالى لا يريد إيمان الكافر لكن لا بمعنى أنه تعالى يمنعه عنه مع توجهه إليه بل بمعنى أنه تعالى لا يريده منه لعدم صرف اختياره الجزئي نحو الإيمان وإصراره على الكفر والجملة اعتراض مؤكد للإعراض وكذا قوله تعالى «وما جعلناك عليهم حفيظا» اي رقيبا مهيمنا من قبلنا تحفظ عليهم أعمالهم وكذا قوله تعالى «وما أنت عليهم بوكيل» من جهتهم تقوم بأمورهم وتدبر مصالحهم وعليهم في الموضعين متعلق بما بعده قد عليه للاهتمام به أو لرعاية الفواصل «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله» أي لا تشتموهم من حيث عبادتهم لآلهتهم كأن تقولوا تبا لكم ولما تعبدونه مثلا «فيسبوا الله عدوا» تجاوزا عن الحق إلى الباطل بأن يقولوا لكم مثل قولكم لهم «بغير علم» اي بجهالة بالله تعالى وبما يجب أن يذكر
(١٧١)