بانتقال مادته عنه فكيف يمكن أن يكون له ولد وقرئ بديع بالنصب على المدح وبالجر على أنه بدل من الاسم الجليل أو من الضمير المجرور في سبحانه على رأي من يجيزه وارتفاعه في القراءة المشهورة على أنه خبر مبتدأ محذوف أو فاعل تعالى وإظهاره في موضع الإضمار لتعليل الحكم وتوسيط الظرف بينه وبين الفعل للاهتمام ببيانه أو مبتدأ خبره قوله تعالى «أنى يكون له ولد» وهو على الأولين جملة مستقلة مسوقة كما قبلها لبيان استحالة ما نسبوه إليه تعالى وتقرير تنزهه عنه وقوله تعالى «ولم تكن له صاحبة» حال مؤكدة للاستحالة المذكورة فإن انتفاء أن يكون له تعالى صاحبة مستلزم لانتفاء أن يكون له ولد ضرورة استحالة وجود الولد بلا والدة وإن أمكن وجوده بلا والد وانتفاء الأول مما لا ريب فيه لأحد فمن ضرورته انتفاء الثاني أي من أين أو كيف يكون له ولد كما زعموا والحال أنه ليس له على زعمهم أيضا صاحبة يكون الولد منها وقرئ لم يكن بتذكير الفعل للفصل أو لأن الاسم ضميره تعالى والخبر هو الظرف وصاحبة مرتفع به على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ أو الظرف خبر مقدم وصاحبة مبتدأ مؤخر والجملة خبر للكون وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون الاسم ضمير الشأن لصلاحية الجملة حينئذ لأن تكون مفسرة لضمير الشأن لا على الوجه الأول لما بين في موضعه أن ضمير الشأن لا يفسر إلا بجملة صريحة وقوله تعالى «وخلق كل شيء» إما جملة مستأنفة أخرى سيقت لتحقيق ما ذكر من الاستحالة أو حال أخرى مقررة لها أي أنى يكون له ولد والحال أنه خلق كل شيء انتظمه التكوين والإيجاد من الموجودات التي من جملتها ما سموه ولدا له تعالى فكيف يتصور أن يكون المخلوق ولدا لخالقه «وهو بكل شيء» من شأنه أن يعلم كائنا ما كان مخلوقا أو غير مخلوق كما ينبئ عنه ترك الإضمار إلى الإظهار «عليم» مبالغ في العلم أزلا وأبدا حسبما يعرب عنه العجول إلى الجملة الاسمية فلا يخفى عليه خافية مما كان وما سيكون من الذوات والصفات والأحوال التي من جملتها ما يجوز عليه تعالى ما لا يجوز من المحالات التي ما زعموه فرد من أفرادها والجملة استئناف مقرر لمضمون ما قبلها من الدلائل القاطعة ببطلان مقالته الشنعاء التي اجترءوا عليها بغير علم «ذلكم» إشارة إلى المنعوت بما ذكر من جلائل النعوت وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو شأن المشار إليه وبعد منزلته في العظمة والخطاب للمشركين المعهودين بطريق الالتفات وهو مبتدأ وقوله تعالى «الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء» أخبار أربعة مترادفة أي ذلك الموصوف بتلك الصفات العظيمة هو الله المستحق للعبادة خاصة مالك أمركم لا شريك له أصلا خالق كل شيء مما كان ومما سيكون فلا تكرار إذ المعتبر في عنوان الموضوع إنما هو خالقيته لما كان فقط كما ينبئ عنه صيغة الماضي وقيل الخبر هو الأول والبواقي أبدال وقيل الاسم الجليل بدل من المبتدأ والبواقي أخبار وقيل يقدر لكل من الأخبار الثلاثة مبتدأ وقيل يجعل الكل بمنزلة اسم واحد وقوله تعالى «فاعبدوه» حكم مترتب على مضمون الجملة فإن من جمع هذه الصفات كان هو المستحق للعبادة خاصة وقوله تعالى «وهو على كل شيء وكيل» عطف على الجملة
(١٦٩)