به وقرئ عدوا يقال عدا يعدو وعدوا وعداء وعدوانا روي أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول قوله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون إلهك وقيل كان المسلمون يسبونهم فنهوا عن ذلك لئلا يستتبع سبهم سبه سبحانه وتعالى وفيه أن الطاعة إذا أدت إلى معصية راجحة وجب تركها فإن ما يؤدي إلى الشر شر «كذلك» أي مثل ذلك التزيين القوي «زينا لكل أمة عملهم» من الخير والشر بإحداث ما يمكنهم منه ويحملهم عليه توفيقا أو تخذيلا ويجوز أن يراد بكل أمة أمم الكفرة إذا الكلام فيهم وبعملهم شرهم وفسادهم والمشبه به تزيين سب الله تعالى لهم «ثم إلى ربهم» مالك أمره «مرجعهم» أي رجوعهم بالبعث بعد الموت «فينبئهم» من غير تأخير «بما كانوا يعملون» في الدنيا على الاستمرار من السيئات المزينة لهم وهو وعيد بالجزاء والعذاب كقول الرجل لمن يتوعده سأخبرك بما فعلت وفيه نكتة سرية مبنية على حكمة أبية وهي أن كل ما يظهر في هذه النشأة من الأعيان والأعراض فإنما يظهر بصورة مستعارة مخالفة لصورته الحقيقية التي بها يظهر في النشأة الآخرة فإن المعاصي سمون قاتلة قد برزت في الدنيا بصورة ما تستحسنها نفوس العصاة كما نطقت به هذه الآية الكريمة وكذا الطاعات فإنها مع كونها أحسن الأحاسن قد ظهرت عندهم بصورة مكروهة لذلك قال صلى الله عليه وسلم حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات فأعمال الكفرة قد برزت لهم في النشأة بصورة مزينة يستحسنها الغواة ويستحبها الطغاة وستظهر في النشأة الآخرة بصورتها الحقيقية المنكرة الهائلة فعند ذلك يعرفون أن أعمالهم ماذا عبر عن إظهارها بصورها الحقيقة بالإخبار بها لما أن كلا منهما سبب للعلم بحقيقتها كما هي فليتدبر قوله تعالى «وأقسموا بالله» روي أن قريشا اقترحوا بعض آيات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن فعلت بعض ما تقولون أتصدقونني فقالوا نعم وأقسموا لئن فعلته لنؤمنن جميعا فسأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلها طمعا في إيمانهم فهم صلى الله عليه وسلم بالدعاء فنزلت وقوله تعالى «جهد أيمانهم» مصدر في موقع الحال أي أقسموا به تعالى جاهدين في أيمانهم «لئن جاءتهم آية» من مقترحاتهم أو من جنس الآيات وهو الأنسب بحالهم في المكابرة والعناد وترامي أمرهم في العتو والفساد حيث كانوا لا يعدون ما يشاهدونه من المعجزات الباهرة من جنس الآيات «ليؤمنن بها» وما كان مرمى غرضهم في ذلك لا التحكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب المعجزة وعدم الاعتداد بما شاهدوا منه من البينات الحقيقة بأن تقطع بها الأرض وتسير بها الجبال «قل إنما الآيات» أي كلها فيدخل فيها ما اقترحوه دخولا أوليا «عند الله» أي أمرها في حكمه وقضائه خاصة يتصرف فيها حسب مشيئته المبنية على الحكم البالغة لا تتعلق بها ولا بشأن من شؤونها قدرة أحد ولا مشيئته لا استقلالا ولا اشتراكا بوجه من الوجوه حتى يمكنني أن أتصدى لاستنزالها بالاستدعاء وهذا كما ترى سد لباب الاقتراح على أبلغ وجه وأحسنه
(١٧٢)