والمخاوف واستمتاعهم بالإنس اعترافهم بأنهم قادرون على إجازتهم «وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا» وهو يوم القيامة قالوه اعترافا بما فعلوه من طاعة الشياطين واتباع الهوى وتكذيب البعث وإظهارا للندامة عليها وتحسرا على حالهم واستسلاما لربهم ولعل الاقتصار على حكاية كلام الضالين للإيذان بأن المضلين قد أفحموا بالمرة فلم يقدروا على التكلم أصلا «قال» استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية كلا منهم كأنه قيل فماذا قال الله تعالى حينئذ فقيل قال «النار مثواكم» أي منزلكم أو ذات ثوائكم كما أن دار السلام مثوى المؤمنين «خالدين فيها» حال والعامل مثواكم إن جعل مصدرا ومعنى الإضافة إن جعل مكانا «إلا ما شاء الله» قال ابن عباس رضي الله عنهما استثنى الله تعالى قوما قد سبق في علمه أنهم يسلمون ويصدقون النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مبني على أن الاستثناء ليس من المحكي وما بمعنى من وقيل المعنى إلا الأوقات التي ينقلون فيها من النار إلى الزمهرير فقد روي أنهم يدخلون واديا فيه من الزمهرير ما يميز بعض أوصالهم من بعض فيتعاوون ويطلبون الرد إلى الجحيم وقيل يفتح لهم وهم في النار باب إلى الجنة فيسرعون نحوه حتى إذا صاروا إليه سد عليهم الباب وعلى التقديرين فالاستثناء تهكم بهم وقيل إلا ما شاء الله قبل الدخول كأنه قيل النار مثواكم أبدا إلا ما أمهلكم ولا يخفى بعده «إن ربك حكيم» في أفاعيله «عليم» بأحوال الثقلين وأعمالهم وبما يليق بها من الجزاء «وكذلك» أي مثل ما سيق من تمكين الجن من إغواء الإنس وإضلالهم «نولي بعض الظالمين» من الإنس «بعضا» آخر منهم أي نجعلهم بحيث يتولونهم بالإغواء والإضلال أو نجعل بعضهم قرناء بعض في العذاب كما كانوا كذلك في الدنيا عند اقتراف ما يؤدي إليه من القبائح «بما كانوا يكسبون» بسبب ما كانوا مستمرين على كسبه من الكفر والمعاصي «يا معشر الجن والإنس» شروع في حكاية ما سيكون من توبيخ المعشرين وتقريعهم بتفريطهم فيما يتعلق بخاصة أنفسهم إثر حكاية توبيخ معشر الجن بإغواء الإنس وإضلالهم وبيان مآل أمرهم «ألم يأتكم» أي في الدنيا «رسل» اي من عند الله عز وجل ولكن لا على أن يأتي كل رسول كل واحدة من الأمم بل على أن يأتي كل أمة رسول خاص بها أي ألم يأت كل أمة منكم رسول معين وقوله تعالى «منكم» متعلق بمحذوف وقع صفة لرسل أي كائنة من جملتكم لكن لا على أنهم من جنس الفريقين معا بل من الإنس خاصة وإنما جعلوا منهما إما لتأكيد وجوب اتباعهم والإيذان بتقاربهما ذاتا واتحادهما تكليفا وخطابا كأنهما جنس واحد ولذلك تمكن أحدهما من إضلال الآخر وإما لأن المراد بالرسل ما يعم رسل الرسل وقد ثبت أن الجن قد استمعوا القرآن وأنذروا به قومهم حيث نطق به قوله تعالى وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن
(١٨٥)