المتقدمة أي هو مع ما فصل من الصفات الجليلة متولي أمور جميع مخلوقاته التي أنتم من جملتها فكلوا أموركم إليه وتوسلوا بعبادته إلى نجاح مآربكم الدنيوية والأخروية «لا تدركه الأبصار» البصر حاسة النظر وقد تطلق على العين من حيث إنها محلها وإدراك الشيء عبارة عن الوصول إليه والإحاطة به أي لا تصل إليه الأبصار ولا تحيط به كما قال سعيد بن المسيب وقال عطاء كانت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به فلا متمسك فيه لمنكري الرؤية على الإطلاق وقد روي عن ابن عباس ومقاتل رضي الله عنهم لا تدركه الأبصار في الدنيا وهو يرى في الآخرة «وهو يدرك الأبصار» أي يحيط بها علمه إذ لا تخفى عليه خافية «وهو اللطيف الخبير» فيدركه ما لا تدركه الأبصار ويجوز أن يكون تعليلا للحكمين السابقين على طريقة اللف أي لا تدركه الأبصار لأنه اللطيف وهو يدرك الأبصار لأنه الخبير فيكون اللطيف مستفادا من مقابل الكثيف لما لا يدرك بالحاسة ولا ينطبع فيها وقوله تعالى «قد جاءكم بصائر من ربكم» استئناف وارد على لسان النبي صلى الله عليه وسلم والبصائر جمع بصيرة وهي النور الذي به تستبصر النفس كما أن البصر نور به تبصر العين والمراد بها الآية الواردة ههنا أو جميع الآيات المنتظمة لها انتظاما أوليا ومن لابتداء الغاية مجازا سواء تعلقت بجاء أو بمحذوف هو صفة لبصائر والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين لإظهار كمل اللطف بهم أي أي قد جاءكم من جهة مالككم ومبلغكم إلى كمالكم اللائق بكم من الوحي الناطق بالحق والصواب ما هو كالبصائر للقلوب أو قد جاءكم بصائر كائنة من ربكم «فمن أبصر» أي الحق بتلك البصائر وآمن به «فلنفسه» أي فلنفسه أبصر أو فإبصاره لنفسه لأن نفعه مخصوص بها «ومن عمي» أي ومن لم يبصر الحق بعد ما ظهر له بتلك البصائر ظهورا بينا وضل عنه وإنما عبر عنه بالعمى تقبيحا له وتنفيرا عنه «فعليها» أي فعليها عمى أو فعماه عليها أو وبال عماه «وما أنا عليكم بحفيظ» وإنما أنا منذر والله هو الذي يحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها «وكذلك نصرف الآيات» أي مثل ذلك التصريف البديع نصرف الآيات الدالة على المعاني الرائقة الكاشفة عن الحقائق الفائقة لا تصريفا أدنى منه وقوله تعالى «وليقولوا درست» علة لفعل قد حذف تعويلا على دلالة السباق عليه أي وليقولوا درست نفعل ما نفعل من التصريف المذكور واللام للعاقبة والواو اعتراضية وقيل هي عاطفة على علة محذوفة واللام متعلقة بنصرف أي مثل ذلك التصريف نصرف الآيات لنلزمهم الحجة وليقولوا الخ وقيل اللام لام الأمر وتنصره القراءة بسكون اللام كأنه قيل وكذلك نصرف الآيات وليقولوا هم ما يقولون فإنه لا احتفال بهم ولا اعتداد بقولهم وهذا أمر معناه الوعيد والتهديد وعدم الاكتراث بقولهم ورد عليه بأن ما بعده يأباه ومعنى درست قرأت وتعلمت وقرئ دارست أي دارست العلماء ودرست أي قدمت
(١٧٠)