تعالى أيضا كذلك بل بيان استحالة وقوعه بناء على استحالة وقوعها كأنه قيل ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله وهيهات ذلك وحالهم حال بدليل ما سبق من قوله تعالى ونقلب أفئدتهم الآية كيف لا وقوله عز وجل «ولكن أكثرهم يجهلون» استدراك من مضمون الشرطية بعد ورود الاستثناء لا قبله ولا ريب في أن الذي يجهلونه سواء أريد بهم المسلمون وهو الظاهر أو المقسمون ليس عدم إيمانهم بلا مشيئة الله تعالى كما هو اللازم من حمل النظم الكريم على المعنى الأول فإنه ليس مما يعتقده الأولون ولا مما يدعيه الآخرون بل إنما هو عدم إيمانهم لعدم مشيئته إيمانهم ومرجعه إلى جهلهم بعدم مشيئته إياه فالمعنى أن حالهم كما شرح ولكن أكثر المسلمين يجهلون عدم إيمانهم عند مجىء الآيات لجهلهم عدم مشيئته تعالى لإيمانهم فيتمنون مجيئها طمعا فيما لا يكون فالجملة مقررة لمضمون قوله تعالى وما يشعركم الخ على القراءة المشهورة أو ولكن أكثر المشركين يجهلون عدم إيمانهم عند مجىء الآيات لجهلهم عدم مشيئته تعالى لإيمانهم حينئذ فيقسمون بالله جهد ايمانهم على ما لا يكاد يكون فالجملة على القراءة السابقة بيان مبتدأ لمنشأ خطأ المقسمين ومناط إقسامهم وتقرير له على قراءة لا تؤمنون بالتاء الفوقانية وكذا على قراءة ما يشعرهم أنها إذا جاءتهم لا يؤمنون «وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا» كلام مبتدأ مسوق لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان يشاهده من عداوة قريش له عليه الصلاة والسلام وما بنوا عليها مما لا خير فيه من الأقاويل والأفاعيل ببيان أن ذلك ليس مختصا بك بل هو أمر ابتلي به كل من سبقك من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومحل الكاف النصب على أنه نعت لمصدر محذوف أشير إليه بذلك منصوب بفعله المحذوف مؤكد لما بعده وذلك إشارة إلى ما يفهم مما قبله أي جعلنا لكل نبي عدوا والتقديم على الفعل المذكور للقصر المفيد للمبالغة أي مثل ذلك الجعل الذي جعلنا في حقك حيث جعلنا لك عدوا يضادونك ويضارونك ولا يؤمنون ويبغونك الغوائل ويدبرون في إبطال أمرك مكايد جعلنا لكل نبي تقدمك عدوا فعلوا بهم ما فعل بك أعداؤك لا جعلا أنقص منه وفيه دليل على أن عداوة الكفرة للأنبياء عليهم السلام بخلقه تعالى للابتلاء «شياطين الإنس والجن» أي مردة الفريقين على أن الإضافة بمعنى من البيانية وقيل هي إضافة الصفة إلى الموصوف والأصل الإنس والجن الشياطين وقيل هي بمعنى اللام أي الشياطين التي للإنس والتي للجن وهو بدل من عدوا والجعل متعد إلى واحد أو إلى اثنين وهو أول مفعولية قدم عليه الثاني مسارعة إلى بيان العداوة واللام على التقديرين متعلقة بالجعل أو بمحذوف هو حال من عدوا وقوله تعالى «يوحي بعضهم إلى بعض» كلام مستأنف مسوق لبيان أحكام عداوتهم وتحقيق وجه الشبه بين المشبه والمشبه به أو حال من الشياطين أو نعت لعدوا وجمع الضمير باعتبار المعنى فإنه عبارة عن الأعداء كما في قوله إذا أنا لم أنفع صديقي بوده * فإن عدوي لم يضرهمو بغضي والوحي عبارة عن الإيماء والقول السريع أي يلقى
(١٧٥)