ويوسوس شياطين الجن إلى شياطين الإنس أو بعض كل من الفريقين إلى بعض آخر «زخرف القول» أي المموه منه المزين ظاهره الباطل باطنه من زخرفه إذ زينه «غرورا» مفعول له ليوحي أي ليغروهم أو مصدر في موقع الحال أي غارين أو مصدر مؤكد لفعل مقدر هو حال من فاعل يوحى أي يغرون غرورا «ولو شاء ربك» رجوع إلى بيان الشؤون الجارية بينه صلى الله عليه وسلم وبين قومه المفهومة من حكاية ما جرى بين الأنبياء عليهم السلام وبين أممهم كما ينبئ عنه الالتفات والتعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم المعربة عن كمال اللطف في التسلية أي ولو شاء ربك عدم الأمور المذكورة لا إيمانهم كما قيل فإن القاعدة المستمرة أن مفعول المشيئة إنما يحذف عند وقوعها شرطا وكون مفعولها مضمون الجزاء وهو قوله تعالى «ما فعلوه» أي ما فعلوا ما ذكر من عداوتك وإيحاء بعضهم إلى بعض مزخرفات الأقاويل الباطلة المتعلقة بأمرك خاصة لا بما يعمه وأمور الأنبياء عليهم السلام أيضا كما قيل فإن قوله تعالى «فذرهم وما يفترون» صريح في أن المراد بهم الكفرة المعاصرون له عليه الصلاة والسلام أي إذا كان ما فعلوه من أحكام عداوتك من فنون المفاسد بمشيئته تعالى فاتركهم وافتراءهم أو وما يفترونه من أنواع المكايد فإن لهم في ذلك عقوبات شديدة ولك عواقب حميدة لابتناء مشيئته تعالى على الحكم البالغة البتة «ولتصغى إليه» أي إلى زخرف القول وهو على الوجه الأول علة أخرى للإيحاء معطوفة على غرورا وما بينهما اعتراض وإنما لم ينصب لفقد شرطه إذ الغرور فعل الموحى وصغو الأفئدة فعل الموحى إليه أي يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول ليغروهم به ولتميل إليه «أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة» إنما خص بالذكر عدم إيمانهم بالآخرة دون ما عداها من الأمور التي يجب الإيمان بها وهم بها كافرون إشعارا بما هو المدار في صغو أفئدتهم إلى ما يلقى إليهم فإن لذات الآخرة محفوفة في هذه النشأة بالمكاره وآلامها مزينة بالشهوات فالذين لا يؤمنون بها وبأحوال ما فيها لا يدرون أن وراء تلك المكاره لذات ودون الشهوات آلاما وإنما ينظرون إلى ما بدا لهم في الدنيا بادي الرأي فهم مضطرون إلى حب الشهوات التي من جملها مزخرفات الأقاويل ومموهات الأباطيل وأما المؤمنون بها فحيث كانوا واقفين على حقيقة الحال ناظرين إلى عواقب الأمور لم يتصور منهم الميل إلى تلك المزخرفات لعلهم ببطلانها ووخامة عاقبتها وأما على الوجهين الأخيرين فهو علة لفعل محذوف يدل عليه المقام أي ولكون ذلك جعلنا ما جعلنا والمعتزلة جعلوا اللام لام العاقبة أو لام القسم أو لام الأمر وضعفه في غاية الظهور «وليرضوه» لأنفسهم بعد ما مالت إليه أفئدتهم «وليقترفوا» أي يكتسبوا بموجب ارتضائهم له «ما هم مقترفون» له من القبائح التي لا يليق ذكرها «أفغير الله أبتغي حكما» كلام مستأنف وارد على إرادة القول والهمزة
(١٧٦)