فيه المراد بالليل والنهار الجنس المتحقق في كل فرد من أفرادهما بالتوفي والبعث الموجدين فيها يتحقق قضاء الأجل المسمى المترتب عليها لا في بعضها والمراد بعلمه تعالى ذلك علمه قبل الجرح كما يلوح به تقديم ذكره على البعث أي يعلم ما تجرحون بالنهار وصيغة الماضي الجلالة على التحقق وتخصيص التوفي بالليل والجرح بالنهار مع تحقق كل منهما فيما خص بالآخر للجرى على سنن العادة «ثم يبعثكم فيه» أي يوقظكم في النهار عطف على يتوفاكم وتوسيط قوله تعالى ويعلم الخ بينهما لبيان ما في بعثهم من عظيم الاحسان إليهم بالتنبيه على أن ما يكتسبونه من السيئات مع كونها موجبة لإبقائهم على التوفي بل لاهلاكهم بالمرة يفيض عليهم الحياة ويمهلهم كما ينبيء عنه كلمة التراخي كأنه قيل هو الذي يتوفاكم في جنس الليالي ثم يبعثكم في جنس النهر مع علمه بما ستجرحون فيها «ليقضى أجل مسمى» معين لكل فرد بحيث لا يكاد يتخطى أحد ما عين له طرفة عين «ثم إليه مرجعكم» أي رجوعكم بالموت لا إلى غيره أصلا «ثم ينبئكم بما كنتم تعملون» بالمجازاة بأعمالكم التي كنتم تعملونها في تلك الليالي والأيام وقيل الخطاب مخصوص بالكفرة والمعنى أنكم ملقون كالجيف بالليل كاسبون للآثام بالنهار وأنه تعالى مطلع على أعمالكم يبعثكم الله من القبور في شأن ما قطعتم به أعماركم من النوم بالليل وكسب الآثام بالنهار ليقضي الأجل الذي سماه وضربه لبعث الموتى وجزائهم على أعمالهم وفيه ما لا يخفى من التكلف والاخلال لافضائه إلى كون البعث معللا بقضاء الأجل المضروب له «وهو القاهر فوق عباده» أي هو المتصرف في أمورهم لا غيره يفعل بهم ما يشاء إيجادا وإعداما وإحياء وإماتة وتعذيبا وإثابة إلى غير ذلك «ويرسل عليكم» خاصة أيها المكلفون «حفظة» من الملائكة وهم الكرام الكاتبون وعليكم متعلق بيرسل لما فيه من معنى الاستيلاء وتقديمه على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر وقيل متعلق بمحذوف هو حال من حفظه إذ لو تأخر لكان صفة أي كائنين عليكم وقيل متعلق بحفظة والمحفوظ محذوف على كل حال أي يرسل عليكم ملائكة يحفظون أعمالكم كائنة ما كانت وفي ذلك حكمة جميلة ونعمة جليلة لما أن المكلف إذا علم أن أعماله تحفظ وتعرض على رؤوس الأشهاد كان ذلك أزجر له عن تعاطي المعاصي والقبائح وأن العبد إذا وثق بلطف سيده واعتمد على عفوه وستره لم يحتشمه احتشامه من خدمه الواقفين على أحواله وحتى في قوله تعالى «حتى إذا جاء أحدكم الموت» هي التي يبتدأ بها الكلام وهي مع ذلك تجعل ما بعدها من الجملة الشرطية غاية لما قبلها كأنه قيل ويرسل عليكم حفظة يحفظون أعمالكم مدة حياتكم حتى إذا انتهت مدة أحدكم كائنا من كان وجاءه أسباب الموت ومباديه «توفته رسلنا» الآخرون المفوض إليهم ذلك وهم ملك الموت وأعوانه وانتهى هناك حفظ الحفظة وقرئ توفاه ماضيا أو مضارعا بطرح إحدى التامين «وهم» أي الرسل «لا يفرطون» أي بالتواني والتأخير وقرئ مخففا من الإفراط أي
(١٤٤)