تعالى شيئا من إصابة مكروه من جهتها وذلك إنما هو من جهته تعالى من غير دخل لآلهتكم فيه أصلا وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام إظهار منه لانقياده لحكمه سبحانه وتعالى واستسلام لأمره واعتراف بكونه تحت ملكوته وربوبيته وقوله تعالى «وسع ربي كل شيء علما» كأنه تعليل للاستثناء أي أحاط بكل شيء علما فلا يبعد أن يكون في علمه تعالى أن يحيق بي مكروه من قبلها بسبب من الأسباب وفي الإظهار في موضع الإضمار تأكيد للمعنى المذكور واستلذاذ بذكره تعالى «أفلا تتذكرون» أي أتعرضون عن التأمل في أن آلهتكم جمادات غير قادرة على شيء ما من نفه ولا ضر فلا تتذكرون أنها غير قادرة على إضرارى وفي إيراد التذكر دون التفكر ونظائره إشارة إلى أن أمر أصنامهم مركوز في العقول لا يتوقف إلى على التذكر وقوله تعالى «وكيف أخاف ما أشركتم» استئناف مسوق لنفي الخوف عنه عليه السلام بحسب زعم الكفرة بالطريق الإلزامي كما سيأت بعد نفيه عنه بسبب الواقع ونفس الأمر والاستفهام لإنكار الوقوع ونفيه بالكلية كما في قوله تعالى كيف يكون للمشركين عهد عند الله الآية لإنكار الواقع واستبعاده مع وقوعه كما في قوله تعالى كيف تكفرون بالله إلخ في توجيه الإنكار إلى كيفية الخوف من المبالغة ما ليس في توجيهه إلى نفسه بأن يقال أأخاف لما أن كل موجود يجب أن يكون وجوده على حال من الأحوال وكيفية من الكيفيات قطعا فإذا انتفى جميع أحواله وكيفياته فقد انتفى وجوده من جميع الجهات بالطريق البرهاني وقوله تعالى «ولا تخافون أنكم أشركتم بالله» حال من ضمير أخاف بتقدير مبتدأ والواو كافة في الربط من غير حاجة إلى الضمير العائد إلى ذي الحال وهو مقرر لإنكار الخوف ونفيه عنه عليه السلام ومفيد لاعترافهم بذلك فإنهم حيث لم يخافوا في محل الخوف فلأن لا يخاف عليه السلام في محل الأمن أولى وأحرى أي وكيف أخاف أنا ما ليس في حيز الخوف أصلا وأنتم لا تخافون غائلة ما هو أعظم المخوفات وأهولها وهو إشراككم بالله الذي ليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء ما هو من جملة مخلوقاته وإنما عبر عنه بقوله تعالى «ما لم ينزل به» أي بإشراكه «عليكم سلطانا» على طريقة التهكم مع الإيذان بأن الأمور الدينية لا يعول فيها إلا على الحجة المنزلة من عند الله تعالى وفي تعليق الخوف الثاني بإشراكهم من المبالغة مراعاة حسن الأدب ما لا يخفى هذا وأما ما قيل من أن قوله تعالى ولا تخافون الخ معطوف على أخاف داخل معه في حكم الإنكار والتعجيب فمما لا سبيل إليه أصلا لإفضائه إلى فساد المعنى قطعا كيف لا وقد عرفت أن الإنكار بمعنى النفي بالكلية فيؤول المعنى إلى نفي الخوف عنه عليه الصلاة والسلام ونفي نفيه عنهم وأنه بين الفساد وحمل الإنكار في الأول على معنى نفي الوقوع وفي الثاني على استبعاد الواقع مما لا مساغ له على أن قوله تعالى «فأي الفريقين أحق بالأمن» ناطق ببطلانه حتما فإنه كلام مرتب على إنكار خوفه عليه الصلاة
(١٥٥)