فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم جالسا مع أناس من ضعفاء المؤمنين فلما رأوهم حوله صلى الله عليه وسلم حقروهم فأتوه عليه الصلاة والسلام فقالوا يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء وارواح جبابهم فجالسناك وحادثناك وأخذنا عنك فقال صلى الله عليه وسلم ما أنا بطارد المؤمنين قالوا فإنا نحب أن تجعل لنا معك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا مع هؤلاء الأعبد فإذا نجحن جئناك فأقمهم عنا فإذا نحن فرغنا فعد معهم إن شئت قال صلى الله عليه وسلم نعم قالوا فاكتب لنا كتابا فدعا بالصحيفة وبعلي رضي الله تعالى عنه ليكتب ونحن قعود ي ناحية فنزل جبريل عليه السلام بالآية فرمى عليه السلام بالصحيفة ودعانا فأتيناه وجلسنا عنده وكنا ندنو منه حتى تمس ركبتنا ركبته وكان يقوم عنا إذا أراد القيام فنزلت واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم فترك القيام عنا إلى أن نقوم عنه وقال الحمد لله الذي لم يتمنى حتى أمرني أن اصبر نفسي مع قوم من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات والمراد بذكر الوقتين الدوام وقيل صلاة الفجر والعصر وقرئ بالغدوة وقوله تعالى «يريدون وجهه» حال من ضمير يدعون أي يدعونه تعالى مخلصين له فيه وتقييده به لتأكيد عليته للنهي فإن الإخلاص من أقوى موجبات الإكرام المضاد للطرد وقوله تعالى «ما عليك من حسابهم من شيء» اعتراض وسط بين النهي وجوابه تقريرا له ودفعا لما عسى يتوهم كونه مسوغا لطردهم من أقاويل الطاعنين في دينهم كدأب قوم نوح حيث قالوا ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي أي ما عليك شيء ما من حساب إيمانهم وأعمالهم الباطنة حتى تتصدى له وتبنى على ذلك ما تراه من الأحكام وإنما وظيفتك حسبما هو شأن منصب النبوة اعتبار ظواهر الأعمال وإجراء الأحكام على موجبها وأما بواطن الأمور فحسابها على العليم بذات الصدور كقوله تعالى إن حسابهم إلا على ربي وذكر قوله تعالى «وما من حسابك عليهم من شيء» مع أن الجواب قد تم بما قبله للمبالغة في بيان انتفاء كون حسابهم عليه صلى الله عليه وسلم بنظمه في سلك ما لا شبهة فيه أصلا وهو انتفاء كون حسابه صلى الله عليه وسلم عليهم على طريقة قوله تعالى لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون وأما ما قيل من أن ذلك لتنزيل الجملتين منزلة جملة واحدة لتأدية معنى واحد على نهج قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى فغير حقيق بجلالة شأن التنزيل وتقديم عليك في الجملة الأولى للقصد إلى إيراد النفي على اختصاص حسابهم به صلى الله عليه وسلم إذ هو الداعي إلى تصدية صلى الله عليه وسلم لحسابهم وقيل الضمير للمشركين والمعنى إنك لا تؤاخذ بحسابهم حتى يهمك إيمانهم ويدعوك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين وقوله تعالى «فتطردهم» جواب النفي وقوله تعالى «فتكون من الظالمين» جواب النهي وقد جوز عطفه على فتطردهم على طريقة التسبيب وليس بذاك «وكذلك فتنا بعضهم ببعض» استئناف مبين لما نشأ عنه ما سبق من النهي وذلك إشارة إلى مصدر ما بعده من الفعل الذي هو عبارة عن تقديمه لفقراء المؤمنين في أمر الدين بتوفيقهم للإيمان
(١٣٩)