أنه من كلام الأخفش - ثم اعترض عليه بأن اللفظ وإن كان صالحا لإطلاقه على المثنى مجردا عن الصفات لا يصح إطلاقه خبرا " دالا على التجريد من الصفات، وإنما يعنى باللفظ ذاته الموضوعة له، ألا ترى أنك إذا قلت: (جاءني رجل)، لا يفهم إلا ذات، من غير أن يدل على تجريد عن مرض أو جنون أو عقل، فكذلك (اثنتين) لا تدل إلا على مسمى (اثنتين) فقط فلم يستفد منه شئ زائد على المستفاد من ضمير التثنية. ثم لو سلم صحة إطلاق اللفظ كذلك فلا يصح هاهنا، إذ لو صح لجاز أن يقال: (فإن كانتا على أي صفة حصل) ولو قيل ذلك لم يصح، لأن تثنية الضمير في (كانتا) عائد على الكلالة والكلالة تكون واحدا " واثنين وجماعة، فإذا أخبر باثنتين حصلت به فائدة.
ثم لما كان الضمير الذي في (كانتا) العائد على الكلالة هو في معنى اثنين صح أن تثنية لأن تثنيته فرع عن الإخبار باثنين، إذ لولاه لم يصح أنه لم تستفد التثنية إلا من اثنين.
وقد أورد على ذلك اعتراض آخر، وهو أن هذه الآية مماثلة لقوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم)، ثم قال: (فإن كن نساء)، (فإن كانت واحدة) ولو كان على ما ذكرتم لوجب أن يصح إطلاق الأولاد على الواحد كما في الكلالة، وإلا لكان الضمير لغير مذكور!
والجواب بشئ يشمل الجميع، وهو أن الضمير قد يعود على الشئ باعتبار المعنى الذي سيق إليه ونسب إلى صاحبه، فإذا قلت: إذا جاءك رجال، فإن كان واحدا فافعل به كذا، وإن كان اثنين فكذا، صح إعادة الضمير باعتبار المعنيين، لأن المقصود الجائي، وكأنك قلت: وإن كان الجائي من الرجال، لأنه علم من قولك: (إذا جاءك) والآية سيقت لبيان